الفيلم المسيء والمقدسات- عادل عبد الرحمن
مازالت تداعيات الفيلم المسيء للرسول محمد بن عبدالله (ص) تتفاعل حتى الآن في الدول العربية والاسلامية وحتى داخل الدول الغربية ذاتها. وحاصرت المظاهرات الغاضبة في العواصم المختلفة السفارات الاميركية والاوروبية، وادت الى وقوع أضرار وخسائر ليست بسيطة.
الانشطة والفعاليات المعادية للغرب عموما واميركا خصوصا تحتاج الى تدقيق في حجم ردود فعلها. لاسيما وان هناك مغالاة في شكلها ومضمونها. فإذا كان مبرراً ومفهوما التصدي لمنتج ومخرج الفيلم وعلى الممثلين، الذين شاركوا عن سابق تصميم وإصرار للاساءة للرسول العربي الكريم، فإن شكل ومضمون الردود في العواصم المختلفة ليس مبرراً، لانه طال الدول والشعوب، التي ليس لها جميعها موقف معاد من الدين الاسلامي. وعلى فرض ان هناك مواقف تحريضية من مؤسسات وأجهزة أمنية بعينها في الولايات المتحدة او في دول الاتحاد الاوروبي، فإن ذلك لا يعطي المبرر للجماعات الاسلامية المختلفة الغلو في ردة فعلها، لان جل ردود الفعل من المفترض ان تتركز على القائمين على الفيلم لا على الشعوب والحكومات بغض النظر عن طبيعة العلاقات غير الايجابية او السلبية التي تعمقها قوى الرأسمالية والصهيونية اليمينية المتطرفة.
كون القوى المعادية للعرب والمسلمين وللرسول محمد تريد توسيع الهوة بين اقطاب الغرب وشعوب دولها من جهة، وبين العالم العربي والاسلامي من جهة أخرى. وتقوم لتحقيق هذه الغاية بحملات تحريض متواصلة تغذيها القوى الصهيونية وامبراطوريتها الاعلامية. وتعمل تلك القوى على تعميق وتوسيع دوائر التحريض، وخلق الفتن، وبثها وتعميمها من خلال وسائل ومنابر الاعلام والفن السينمائي او الكاريكاتيري وغيرها من وسائل الاتصال. الامر الذي يفرض على القوى الحريصة على الاسلام والمسلمين ونبيهم الكريم وعلاقاتهم مع شعوب الارض قاطبة بمن فيهم الشعوب الغربية وخاصة الشعب الاميركي، توخي الحذر والانتباه لاهداف القوى اليمينية المعادية للعرب والمسلمين ومصالحهم، وتشويه صورتهم وثقافتهم أمام الرأي العام العالمي.
مع ذلك يستوقف المرء مفارقة غريبة عجيبة على حجم ردود الفعل على الفيلم المسيء للرسول محمد ولكن هذه الجماعات والقوى الاسلامية من مختلف المدارس والفرق والدول، تقف صامتة صمت أهل الكهف أمام انتهاكات دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية للمقدسات الاسلامية وخاصة المسجد الاقصى والحرم الابراهيمي الشريف وغيرها من المساجد، التي تم حرقها في العديد من المدن والقرى الفلسطينية وفي الجليل الاعلى وفي يافا وعكا والنقب.
لا يضيف المرء جديدا لذاكرة المسلمين، إن أكد ان المسجد الاقصى، هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ويتعرض لانتهاكات خطيرة تهدد وجوده نتاج الحفريات، التي تجري تحت أساساته، كما حولت اسرائيل مقابر الائمة وعلماء المسلمين الى كنس يهودية وملاه، ودنست ارض الرباط باجراءاتها وجرائمها المتواصلة، وغيرت معالم المدينة المقدسة وتاريحها وهويتها العربية – الاسلامية ولم يتحرك العرب او المسلمون، وحتى لم يف العرب بأبسط معايير الالتزام تجاه المسجد الاقصى والحرم الابراهيمي الشريف، ولم يسددوا التزاماتهم المالية للدفاع عن الاقصى والقدس والخليل والارض الفلسطينية المباركة.
أليست مفارقة كبيرة ان ينتفض العرب والمسلمون على فيلم مسيء لشخص الرسول الكريم، ولا ينتفضوا ويثوروا ضد انتهاكات اسرائيلية على الارض ضد المقدسات الاسلامية، التي ذكرها القرآن الكريم. ضد الاقصى والقدس، التي عرج عليها واسرى اليها الرسول الكريم!؟ اين هم العرب والمسلمون من قضايا المقدسات الاسلامية والمسيحية، التي دنسها الصهاينة بجرائمهم.
المرء لا يدعو لحروب دينية، ولا يقبل ان تأخذ الحروب طابعا دينيا، ولكنه يطالب بمساندة العرب والمسلمين وانصار السلام في العالم للشعب العربي الفلسطيني، الذي يعاني من احتلال وتطهير عرقي صهيوني فاق كل حدود العقل والمنطق. ويأمل ان تتجه ردود الفعل على الفيلم المسيء الى ردود فعل على جرائم المحتلين الصهاينة، وترشيد السياسات الدينية، وتغليب لغة التسامح بين اتباع الديانات السماوية وانصار التيارات الفكرية الوضعية المختلفة. وتعميق لغة الحوار وقبول الاخر، ولكن دون المهادنة او التواطؤ مع احتلال اسرائيلي او اميركي لاي شعب من الشعوب وخاصة الشعب العربي الفلسطيني، الذي يطمح في الخلاص من الاحتلال الأخير في العالم، ليرى ابناؤه النور ويبنوا دولتهم الوطنية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967.
a.a.alrhman@gmail.com