مرةً أخرى الرئيس أبو مازن يعزل اسرائيل دولياً- ابراهيم حسن
صحيح أني كنت أتوقع خطاباً قوياً من السيد الرئيس، لكنني لم أتوقع إطلاقاً خطاباً هجومياً بهذه الحدة، فأبو مازن رجل عرف بحصافته الدوبلوماسية حتى في أحلك الظروف، لقد كنت أتوقع أن أستمع إلى خطاب قوي ذكي، وكان ما توقعته، لكن المفاجئة كانت بالهجوم القوي ليس على السياسات الإسرائيلية فحسب بل على الحكومة الإسرائيلية والنهج الأمريكي في التعامل معها.
وكما حدث في خطابه أمام الأمم المتحدة في أيلول الماضي، فقد نجح الرئيس ب توجيه خطاب شعبي سياسي، وتمكن من مزج الخطاب السياسي والخطاب الشعبي من خلال التأكيد على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وفلسطين التاريخية ومعاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، والسرطان الذي ينهش العملية الدوبلوماسية وهو الاستيطان، أما القديم الحديث فهو المراهنة على الشعب الفلسطيني وأن الشعب الفلسطيني أعظم من أن يتعرض لنكبة جديدة.
لقد كان السيد الرئيس مثالاً رائعاً للقائد العصري، وصورة ناصعة ً عن الشعب الفلسطيني، عندما عبر عن رفضه للظلم، وعبر عن منطلقات النضال الوطني الفلسطيني من خلال التأكيد على طبيعة الصراع، ورفض أن يتم النظر إلى الصراع على أنه صراع ديني، بمعنى أن لا تقود الحكومات الإسرائيلية حملة تعاطف مع إسرائيل على خلفية اضطهاد اليهود في أوروبا أو أي مكان آخر سواء كان اضطهاداً حقيقياً أو مفترضاً، لأن هذا الاضطهاد لا علاقة له بما يحدث على الأرض المقدسة، كما أن حق الشعب الفلسطيني بدولته المستقلة لا يلغيه اضطهاد الآخرين لليهود.
التهديد المباشر والصريح بعدم جدوى العملية السياسية ما لم يتم الأخذ بحقوق الشعب الفلسطيني بجدية، والتأكيد على غضب الشارع الفلسطيني بسبب الاحتلال كان جزءً من اللهجة الهجومية التي انتهجها السيد الرئيس في خطابه الذي رفض فيه التفاوض إلى المالانهاية، فطموح الشعب الفلسطيني في المرحلة الحالية يتمحور حول إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس وحل متوافق عليه فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين استنادا الى القرار 194 وكما جاء في المبادرة العربية، هذا الطموح غير قابل للتأجيل وهو ليس منة من أحد بل هو حق استحقه شعب فلسطين منذ عقود، وبعد هذه الأعوام الطويلة لا يجدر بأحد أن يقبل إطلاقاً بالحلول المنقوصة خصوصاً ذلك الحل المطروح بإقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة.
بكلمات بسيطة أعلن الرئيس انتهاء حقبة ومرحلة كانت إسرائيل تسعى فيها للتفاوض العبثي، وبداية حقبة جديدة مفتوحة على احتمالات كثيرة. وبالتأكيد فإن السيد الرئيس لم ينس أن يتحدث عن المصالحة الوطنية، والتأكيد على أهميتها، والتأكيد على أن الانقسام الفلسطيني هو وضع مدم من الواجب أن ينتهي، وهو هنا يثبت أنه من خامة القادة العصريين الذين لا يحملون كل مصائبهم على شماعات أعادئهم، فبعض مصائب الوطن من صنيعة أبنائه.
لقد رد السيد الرئيس على منتقديه ومن هاجموه، سواء في الداخل أو الخارج الفلسطيني، ومرةً أخرى فقد سكت الرئيس طويلاً وجاء رده قوياً مجلجلاً لا على قنوات التحريض أو على منابر المزاودة، ولكن على المنبر الدولي، منبر العمل الذي وقف قادة العالم من جميع قاراته ليصفقوا للخطاب التاريخي بحرارة كبيرة.