الحياة ستوديو- فؤاد ابو حجلة
أعمل في ستوديو وأعيش في ستوديو، وبين المكانين أراوح بين غرفة الأخبار في القناة التلفزيونية وغرفة الانتظار في العيادة الطبية وغرفة المقابلات في دائرة الهجرة.. وغرفة الذاكرة في دماغي.
لولا الشوارع التي تربط بين الأمكنة لكانت حياتي كلها غرفا تتغير ألوان جدرانها وارتفاع سقوفها بحسب الظروف، لذا احاول المشي كلما احسست بالقدرة البدنية على قطع مشوار.
هكذا أعيش هنا في لندن، وهكذا عشت هناك في موسكو حين دفعتني قوة الطرد العربية الى الرحيل. وفي الحالتين تبدو البلاد لرجل مثلي غرفا متلاصقة وستوديوهات تؤدي إلى استوديوهات.
في العمل أقضي وقتا طويلا في الاستوديو، وبعد نهاية الدوام أعود الى بيتي الذي يسمى أيضا ستوديو، وأعتقد أن هذه التسمية جاءت بديلا للاسم الحقيقي للمكان الذي اراه زنزانة فارهة.
ستوديو العمل كبير لكن حصتي من المكان صغيرة، وستوديو السكن كله لي وأستطيع أن أسرح وأمرح على امتداد بلاطاته العشرين، لذا فإنني أمارس رياضة المشي فيه عندما يكون الطقس باردا في الخارج.
غرفة نوم مفتوحة على غرفة جلوس في طرفها مطبخ وعلى الجانب الآخر حمام.. كل ما يحتاج المرء موجود هنا وفي متناول اليد، ورغم قصر ذراعي فإن كل شيء في متناول اليد فعليا، دون الحاجة الى الافراط في الحركة.
حياة مريحة جدا لولا بعض المنغصات كالاضطرار الى مغادرة السرير والمشي الى المطبخ لتدخين سيجارة لأن التدخين في غرفة النوم عادة سيئة!
وهي حياة آمنة لولا ضعف الذاكرة الذي يؤدي أحيانا إلى إضاعة علبة السجائر والاضطرار للبحث عنها في ارجاء الاستوديو الشاسعة!
في موسكو كانت الحياة مطابقة لهذا الروتين.. عزلة يزيدها وجعا ضيق المكان، وذاكرة محشوة بصور الحياة في المنافي العربية التي يسميها عرب الألفية الثالثة أوطانا.
اعترف بأنني مواطن خالي من الحنين، وأعترف صراحة بأنني لست مشتاقا للانخراط في السحجة القومية المملة التي تتغنى بأمجاد العرب الكاذبة.
غربة تعطيني ستوديو ضيقا يخنق الجسد أرحم كثيرا من أوطان تتمدد على صحارى تخنق الروح.