شارع المتنبي- محمود ابو الهيجاء
جرحتني الصور التي شاهدتها قبل ايام، لشارع المتنبي في بغداد، كانت صورا لمذبحة طالت مكتبات الرصيف، واحالت الشارع الى خراب ، لا شيء فيه غير اشلاء ممزقة لبقايا تلك المكتبات..!!
وفي الانباء ان هذا الشارع حسب روايات الحكومة هناك، شارع يحرض بهذا المعنى او ذاك على " الزندقة " والارهاب، لان ما فيه من كتب لا تتفق مع روايات المرجعيات الدينية، والحال ان هذه هي ديمقراطية العراق الجديد ، لكن هذا امر يخص العراقيين لمعالجته والتصدي له ، غير اني اتحدث عن شارع لطالما عرفته ملاذا لساعات طويلة كنت اقضيها فيه ، اقلب على ذلك الرصيف تلك الكتب الغنية بالمعرفة، من هذا الباب اسجل حزني على شارع احببت ارصفته العامرة بالحكايات من كل لون ونوع ، شارع لطالما ادركني وأحسن استقبالي بأصحاب مكتباته الذين كانوا كثيرا ما يناقشون الكتاب الذي ابحث عنه وأريد.
وغير هذا لا ادري كيف يمكن لبغداد ان تغدر بشاعرها الكوفي وان تمحو من الشارع الذي يحمل اسمه ما يمحو اسمه وحضوره، ولعل المتنبي اليوم في قبره او في ذلك البرزخ والله تعالى ادرى واعلم ، لعله ينادي الآن مرة اخرى :انا في امة تداركها الله / غريب كصالح في ثمود..!!!
لا أدري ماذا اقول حقا، كيف يمكن ان يحدث ذلك في عاصمة الرشيد ، كيف ينزع عراقيو اليوم رداء التاريخ والمعرفة، عن شارع سيظل اسمه شارع المتنبي..؟؟ قيل قديما ان الكتب تطبع في القاهرة وبيروت وتقرأ في بغداد، فمن اين للمقولة هذه ان تظل على حالها بعد قليل، وشارع الكتب يذبح والمتنبي يصبح مطلوبا وملاحقا بمادة مكافحة الارهاب..؟؟
أهذا هو عصر المرجعيات الدينية وحدها فحسب ، ولعلنا بعد قليل سنرى مكتبة مدبولي في القاهرة وهي تحاول تدبير امرها مع كتبها التي تختلف مع مرجعيات الاخوان، وباختصار شديد كأننا نعود الى الوراء في كل شيء، وها نحن كأمة نخاف من الكتاب ان يكون معروضا على الرصيف ، لكن أحرق المغول ذات يوم كتب المكتبات في بغداد واحالوا لون مياه الدجلة الى لون ازرق وكان هذا هو لون حبر الكتب بل دمها الجميل ، غير ان الكتب عادت وعادت بغداد الى دورها في التاريخ المعرفي، تقرأ وتكتب وتقول شعرا هو اعذب الشعر واجمله.