خالد مشعل بين الناقد والمسؤول - اللواء عدنان ضميري
كتبوا كثيرا عن إشكالية الفكر والممارسة بين الناقد والمسؤول، بين المعارضة والحكم، وقد تابعنا محاضرة السيد خالد مشعل في برنامج اليوم الأخير من مؤتمر "الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي" الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة وبثته قناة "الجزيرة مباشر".
استوقفتني وأثارت إعجابي الجرأة التي تميز بها مشعل بمحاضرته في نقد الإسلاميين والاعتراف بالأخطاء، والتمييز بين المعارضة والحكم، والتي أسماها بين التخيل والافتراض من جهة والمعايشة والمعاناة من جهة أخرى، والفرق بين الناقد للحكم والممارس للحكم حين قال إنه لا توجد حالة تسمى تجربة حكم إسلاميين في غزة، وأشار إلى الأخطاء مباشرة.
لكن مشعل غير فاعل في رسم سياسات حماس ومواقفها من كافة القضايا المتعلقة بالحكم والانقسام والمصالحة، وأثبتت التجربة أنه غير قادر على تنفيذ ما يقتنع به شخصيا في إطار التجاذب والمصالح مع قيادة حماس في قطاع غزة، فقرر باحترام ألا يكون مرشحا لرئاسة المكتب السياسي وهو من أصغر الأمناء العامين ورؤساء التنظيمات الفلسطينية سنا.
إن التأسيس لروح فقد الذات في الحركات الإسلامية السياسية، تجديد عصري لأنه ينفي عنها صفة الربانية والعصمة، ولا نريده أن يقع في خانة الذين يتركون الحكم والإرادة فيتحولون إلى مواقف أخرى جديدة في السياسة كما يحدث لدى القادة والرؤساء الأميركيين الذين ما أن يغادروا مناصبهم حتى يتحولوا إلى مدافعين عن حقوق المظلومين والحق المطلق، كما حدث من الرئيسين جيمي كارتر وبيل كلينتون وبعض القادة الأوروبيين.
إن الموضوعية والجرأة التي اتسمت بها محاضرة مشعل في مسألة حكم الإسلام السياسي والديمقراطية، اتفق مع الجزء الأكبر منها خاصة في جوانب الفوارق والمقارنة بين الناقد للحكم والممارس له، وبين السلطة والمقاومة، وبين المسؤولية الوطنية والفئوية الضيقة، وبين نهج المقاطعة وأسلوب المشاركة والشراكة.
إن ما توصل إليه خالد مشعل سبقه إليه الكثير من قادة اليسار والمعارضة في منظمة التحرير الفلسطينية، دون أن يوقفوا نقدهم ولم ينفصلوا عن أطرهم بل شاركوا واشتركوا في صنع القرار عبر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولو استطاع خالد مشعل إيصال قيادة حماس في غزة الى هذه القناعة والنتائج والخلاصات التي تحدث عنها لما كنا بحاجة اليوم الى جهد لإنهاء الانقسام لأنه لن يكون موجودا.
إن محاضرة أبي الوليد تشير بوضوح إلى الفرق بين الجالس على مدرج المشاهدين وبين اللاعب في أرض الملعب، والفرق بين من يرى الوطن بعينه وعين حزبه وبين من يراه بجغرافيته وديمغرافيته وتاريخه، وبين من يعتبر التاريخ بدأ به وينتهي عنده وبين من يرى نفسه في إطار التاريخ كاملا ومتلمسا رأيه ممن سبقوه، وكما الفرق بين مدرس القانون والمحامي، والفرق بين من يقرأ ويعلم سياسة أفلاطون وأرسطو وجان جاك رسو ويحفظ نصوصها عن ظهر قلب وبين من يمارس السياسة، والفرق بين المعارضة الفجة والمناكفة وبين مسؤولية القيادة السياسية في الحكم، وهو ذات الفرق بين خالد مشعل ومحمود الزهار...