ما زال يمشي بيننا
كتب زياد عبد الفتاح في ذكرى استشهاد ماجد أبو شرار
هل خطر لك أن تسأل إذا كنت قابلت فلسطينيا حتى النخاع؟ ستجيب مدهوشا وهل للفلسطيني ملامح أو صفات لا تتهيأ، تقبلها أو تنكرها! أشير عليك أن تشير إليه، فهو الفلسطيني المدجَّج بفلسطينيته السمحة العالية العارمة، الذاهبة حتى الشهادة. لم يكن بعقيدة انتحارية وظل يظن أن الفلسطينيين بعشقهم وحبهم للحياة يملكون سر بقائهم، وسر الأرض التي يدافعون عنها بالأظافر جيلا بعد جيل، دون أن يكلّوا أو يتعبوا أو يترددوا!.
إعلامي، مثقف، كاتب، يقص ويحكي ولا يطيل، يمضي إلى الخاتمة بلا تعقيد. يضخ دمه ودفق الروح فيما يكتب ويقول ويعلن. لم أصادفه يوما حقودا، أو متآمرا أو حتى متربصا. كان يحب ولا يكره، يُقبل ولا يدبر، فما دمت فلسطينيا فأنت في قلبه.
وكان من زمرة اليسار، لكن ليس اليسار الطفولي أو اليسار المغامر المفتـون بيساره، كان يعي معنى أنه في فتح، وأن فتح تَجمّع يجمع اليسار واليمين والوسط، فليكن يسارا في الوسط أو وسطا في اليسار يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم أو يدمر! لذلك قالوا عنه باعتقاد جميل "إنه لو كان حيا لما ذهبوا إلى الانشقاق وإلى فتح "الانتفاضة"! كان سيحكمهم أو يشكمهم أو يَهدي صواب قلوبهم.
كان يعي عبقرية المكان وخطره القاتل، ويدرك كم هو حاكم غلّاب، وقادر على حرف البوصلة! لا لم يكونوا يسارا، وإنما كانوا محدودي فهم ونظر، وتلوح لهم الشعارات مثل معتقدات جامدة لا تخيب!.
عشنا معا سنوات في طابق واحد في شارع واحد، في الفاكهاني، كنا نسميه الشارع الأخير، وكان يقودنا على الرغم من أنه لم يكن له موقع قيادة، لكننا أسلمنا له قيادنا فهو جدير ويستحق، وإنه اجترح حلا للمعادلة الشائكة التي يمسك بطرفها القائد الرمز ياسر عرفات، ويمسك بطرفها الآخر الأضعف ماجد أبو شرار. كنا نحبه، أسرَنا وجعلنا نحبه فلا نخذله أو نماحكه أو نجافيه.
وسوف أشهد أنا الذي عاينت المكان والزمان في بيروت سنين، بأن "ماجد أبو شرار" كان يتقدمنا ويسبقنا، وقد يزعم أحد ما بأنه ما دام ماجد في عداد الشهداء الأبرار فلا مغبة من تقديمه! ذلك نظر ضيّق، إذ علينا أن نكتب تاريخَنا بما يستحق تاريخُنا. إنني أقرر هنا بأنه لم يتبوأ مكانته التي هو جدير بها مصادفة. كان عندما تثور أزمة يقول: "اذهبوا إلى ياسر عرفات فهو القائد الذي نناكفه ونعاكسه ونشاكسه، ولكنه في النهاية بيضة القبان، ورمانة الميزان".
ذهبوا بعيدا في معاندتهم لياسر عرفات حتى إنهم باعوه وخوّنوه واستقووا عليه بالنظام السوري، إلا ماجد! ظل على الرغم من اختلافه، والسهام التي كان يرميه بها أبو عمار، متوازنا وأمينا، ويعرف أن ياسر عرفات بكل مثالبه يظل الأعلى والأعظم والمجال الحيوي الآمن للثورة والمقاومة ولكل المناضلين والمقاتلين.
أكاد أزعم أن ياسر عرفات بالمقابل كان يحبّه ويقدمّه على كثيرين كثيرين ممن كانوا قريبين منه وفي محيطه. ذهبت إليه مرة أسأله في أمر كان علي أن أسأله فيه. سألني. قال: هل قابلت ماجد؟ ماذا قال؟
قلت: قابلته.
قال: افعل بما قال.
كان يعرف قدره، وينشد رأيه، لكن أيا منهما لم يتقدم خطوة على طريق كسر الجليد، كان ماجد يعلم تماما أن العمل مع ياسر عرفات وعلى ضفافه يحمل مظنة ابتلاعه لمن يعملون معه، ربما على الأقل السيطرة عليهم! وكان ياسر عرفات على ظن، وربما اعتقاد حازم، بأن ماجد نمط آخر من الرجال لا يستطيع تطويعه! لذلك نأى كل منهما عن مواجهة واضحة أو مصالحة بيّنة. كانا معا يعلمان مثلما ظلا يظنان أن الثورة زائد واحد، وأن تعايشا فريدا لا بدّ أن ينشأ في غابة بالبنادق، بين الفصائل الفلسطينية، ومن باب أولى بين القبائل في فتح.
انتخب ماجد عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح في المؤتمر الرابع للحركة، لم يقل أبو عمار لأحد لا تنتخبه، أساسا لم يلمح ولم يغمز، كان لا يريده ويريده، ولأن من لم يكن يريدهم ياسر عرفات يلقون تعاطفا، ومن كان يريدهم غالبا ما يواجهون مقاطعة، فإن "ماجد أبو شرار" كسب على الجبهتين ومن الفريقين.
ثم إنه كان عليّ قبل الخروج من المناطق الوعرة والظروف التي أحاطت بسيرة ماجد ورصيده الذي راكمه عبر الأيام الصعبة، أن أعاود البحث بعمق أكبر في عوالمه الساحرة والمضيئة.
كان إنسانا ليس بمفهوم المدح أو الاحتفال الذي توجبه ذكرى مرور إحدى وعشرين سنة على استشهاده، وإنما بمنظور ثقافي بعيد استرجاعا لمقامه العالي، وقَدْره الذي ظل علامة في حركة النضال والثورة الفلسطينية، لقد ارتفع ماجد بالحوار داخل فتح وبالجدل داخل الساحة الفلسطينية إلى مستوى رفيع، جعله مركزا يقصده الفتحاويون والقادمون من الفصائل ومن كل فج عميق.
أقام علاقات وفتح طرقا وأنشأ صداقات، لم تكن لتنشأ إلا بالمثابرة والجهد مع قوى إقليمية وعالمية، هل كان أحد يتصور أن قائدا بذلك الحجم كان يدير كل ذلك من غرفة مكتب لا تتسع لسبعة أشخاص، ومدير مكتب يشاركه المكان ويشاركه كذلك الموظفون والمناضلون الشباب الذين كانوا يديرون مكالماتنا!
استشهد ماجد أبو شرار في فندق "فلورا" في جادة " فيافينيتو" في روما، أظن أنه اصطحب قاتله الذي دلّ عليه في آخر ساعات تجواله، قبل ساعات من السفر عودا إلى بيروت!.
فجرّه الموساد بعبوة ناسفة زرعوها تحت فراشه، عبوة كانت بقدرة واثقة على تأكيد القتل، إلى درجة أن أرض الغرفة انهار فافتضح أمر عاشقين كانا على وشك لقاء، ففرا هاربين عاريين. الموساد كان يعرف قيمة ماجد وخطره فاغتاله وأزاحه عن الطريق.
zaهل خطر لك أن تسأل إذا كنت قابلت فلسطينيا حتى النخاع؟ ستجيب مدهوشا وهل للفلسطيني ملامح أو صفات لا تتهيأ، تقبلها أو تنكرها! أشير عليك أن تشير إليه، فهو الفلسطيني المدجَّج بفلسطينيته السمحة العالية العارمة، الذاهبة حتى الشهادة. لم يكن بعقيدة انتحارية وظل يظن أن الفلسطينيين بعشقهم وحبهم للحياة يملكون سر بقائهم، وسر الأرض التي يدافعون عنها بالأظافر جيلا بعد جيل، دون أن يكلّوا أو يتعبوا أو يترددوا!.
إعلامي، مثقف، كاتب، يقص ويحكي ولا يطيل، يمضي إلى الخاتمة بلا تعقيد. يضخ دمه ودفق الروح فيما يكتب ويقول ويعلن. لم أصادفه يوما حقودا، أو متآمرا أو حتى متربصا. كان يحب ولا يكره، يُقبل ولا يدبر، فما دمت فلسطينيا فأنت في قلبه.
وكان من زمرة اليسار، لكن ليس اليسار الطفولي أو اليسار المغامر المفتـون بيساره، كان يعي معنى أنه في فتح، وأن فتح تَجمّع يجمع اليسار واليمين والوسط، فليكن يسارا في الوسط أو وسطا في اليسار يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم أو يدمر! لذلك قالوا عنه باعتقاد جميل "إنه لو كان حيا لما ذهبوا إلى الانشقاق وإلى فتح "الانتفاضة"! كان سيحكمهم أو يشكمهم أو يَهدي صواب قلوبهم.
كان يعي عبقرية المكان وخطره القاتل، ويدرك كم هو حاكم غلّاب، وقادر على حرف البوصلة! لا لم يكونوا يسارا، وإنما كانوا محدودي فهم ونظر، وتلوح لهم الشعارات مثل معتقدات جامدة لا تخيب!.
عشنا معا سنوات في طابق واحد في شارع واحد، في الفاكهاني، كنا نسميه الشارع الأخير، وكان يقودنا على الرغم من أنه لم يكن له موقع قيادة، لكننا أسلمنا له قيادنا فهو جدير ويستحق، وإنه اجترح حلا للمعادلة الشائكة التي يمسك بطرفها القائد الرمز ياسر عرفات، ويمسك بطرفها الآخر الأضعف ماجد أبو شرار. كنا نحبه، أسرَنا وجعلنا نحبه فلا نخذله أو نماحكه أو نجافيه.
وسوف أشهد أنا الذي عاينت المكان والزمان في بيروت سنين، بأن "ماجد أبو شرار" كان يتقدمنا ويسبقنا، وقد يزعم أحد ما بأنه ما دام ماجد في عداد الشهداء الأبرار فلا مغبة من تقديمه! ذلك نظر ضيّق، إذ علينا أن نكتب تاريخَنا بما يستحق تاريخُنا. إنني أقرر هنا بأنه لم يتبوأ مكانته التي هو جدير بها مصادفة. كان عندما تثور أزمة يقول: "اذهبوا إلى ياسر عرفات فهو القائد الذي نناكفه ونعاكسه ونشاكسه، ولكنه في النهاية بيضة القبان، ورمانة الميزان".
ذهبوا بعيدا في معاندتهم لياسر عرفات حتى إنهم باعوه وخوّنوه واستقووا عليه بالنظام السوري، إلا ماجد! ظل على الرغم من اختلافه، والسهام التي كان يرميه بها أبو عمار، متوازنا وأمينا، ويعرف أن ياسر عرفات بكل مثالبه يظل الأعلى والأعظم والمجال الحيوي الآمن للثورة والمقاومة ولكل المناضلين والمقاتلين.
أكاد أزعم أن ياسر عرفات بالمقابل كان يحبّه ويقدمّه على كثيرين كثيرين ممن كانوا قريبين منه وفي محيطه. ذهبت إليه مرة أسأله في أمر كان علي أن أسأله فيه. سألني. قال: هل قابلت ماجد؟ ماذا قال؟
قلت: قابلته.
قال: افعل بما قال.
كان يعرف قدره، وينشد رأيه، لكن أيا منهما لم يتقدم خطوة على طريق كسر الجليد، كان ماجد يعلم تماما أن العمل مع ياسر عرفات وعلى ضفافه يحمل مظنة ابتلاعه لمن يعملون معه، ربما على الأقل السيطرة عليهم! وكان ياسر عرفات على ظن، وربما اعتقاد حازم، بأن ماجد نمط آخر من الرجال لا يستطيع تطويعه! لذلك نأى كل منهما عن مواجهة واضحة أو مصالحة بيّنة. كانا معا يعلمان مثلما ظلا يظنان أن الثورة زائد واحد، وأن تعايشا فريدا لا بدّ أن ينشأ في غابة بالبنادق، بين الفصائل الفلسطينية، ومن باب أولى بين القبائل في فتح.
انتخب ماجد عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح في المؤتمر الرابع للحركة، لم يقل أبو عمار لأحد لا تنتخبه، أساسا لم يلمح ولم يغمز، كان لا يريده ويريده، ولأن من لم يكن يريدهم ياسر عرفات يلقون تعاطفا، ومن كان يريدهم غالبا ما يواجهون مقاطعة، فإن "ماجد أبو شرار" كسب على الجبهتين ومن الفريقين.
ثم إنه كان عليّ قبل الخروج من المناطق الوعرة والظروف التي أحاطت بسيرة ماجد ورصيده الذي راكمه عبر الأيام الصعبة، أن أعاود البحث بعمق أكبر في عوالمه الساحرة والمضيئة.
كان إنسانا ليس بمفهوم المدح أو الاحتفال الذي توجبه ذكرى مرور إحدى وعشرين سنة على استشهاده، وإنما بمنظور ثقافي بعيد استرجاعا لمقامه العالي، وقَدْره الذي ظل علامة في حركة النضال والثورة الفلسطينية، لقد ارتفع ماجد بالحوار داخل فتح وبالجدل داخل الساحة الفلسطينية إلى مستوى رفيع، جعله مركزا يقصده الفتحاويون والقادمون من الفصائل ومن كل فج عميق.
أقام علاقات وفتح طرقا وأنشأ صداقات، لم تكن لتنشأ إلا بالمثابرة والجهد مع قوى إقليمية وعالمية، هل كان أحد يتصور أن قائدا بذلك الحجم كان يدير كل ذلك من غرفة مكتب لا تتسع لسبعة أشخاص، ومدير مكتب يشاركه المكان ويشاركه كذلك الموظفون والمناضلون الشباب الذين كانوا يديرون مكالماتنا!
استشهد ماجد أبو شرار في فندق "فلورا" في جادة " فيافينيتو" في روما، أظن أنه اصطحب قاتله الذي دلّ عليه في آخر ساعات تجواله، قبل ساعات من السفر عودا إلى بيروت!.
فجرّه الموساد بعبوة ناسفة زرعوها تحت فراشه، عبوة كانت بقدرة واثقة على تأكيد القتل، إلى درجة أن أرض الغرفة انهار فافتضح أمر عاشقين كانا على وشك لقاء، ففرا هاربين عاريين. الموساد كان يعرف قيمة ماجد وخطره فاغتاله وأزاحه عن الطريق.