العرب والازمة المالية- عادل عبد الرحمن
اليوم الاربعاء الموافق ال 17 من الشهر (اكتوبر ) الحالي ولم تنفرج ازمة الرواتب، مع ان معلومات رشحت من بعض المسؤولين تفيد ان نسبة معينة تصل الى اربعة الاف شيكل ستصرف يوم غد الخميس، وباقي الراتب سيصرف قبل العيد. ولهذا اعلنت النقابات الاضراب اليوم وغد احتجاجا على الحالة المأساوية ،التي وصل اليها موظفو الوظيفة العمومية، حيث ان بعضهم لم يعد قادرا الوصول الى وزارته او مؤسسته لعدم تمكنه من دفع اجرة الطريق ، فضلا عن ان عيد الاضحى المبارك بات على الابواب.
لن يتحدث المرء عن اسباب الازمة، التي تم التعرض لها قبل فترة وجيزة في هذه الزاوية، كما تم الاشارة الى معالجة الدكتور حسين ابو النمل وغيره من الخبراء الاقتصاديين. لان التركيز سيقتصر على دور العرب في عدم تجاوز الازمة المالية، وايضا دور الهيئات القيادية الوطنية في البحث عن وسائل أكثر فعالية في تجسير العلاقة مع الدول العربية، التي تدفع مليارات الدولارات هنا وهناك ، فضلا عن التريليورات من الدولارات المودعه في بنوك اميركا واوروبا.
الملوك والرؤساء العرب التزموا وتعهدوا في أكثر من قمة عربية بتأمين مظلة مالية مقدارها مئة مليون دولار شهريا للسلطة الوطنية ، لتمكينها من الصمود والتصدي للتحديات الاسرائيلية ومن يقف خلفها. لكن شيئا من ذلك لم ينفذ.
ولم يحرك العرب عموما والخليج خصوصا ساكنا في ظل تصاعد وتيرة الازمة، وارتفاع صدى الاحتجاجات الشعبية في المدن والقرى الفلسطينية ، إضافة للاضرابات المتواصلة ، التي شلت ملاافق الحياة العامة.
الازمة تتفاقم يوما تلو الآخر حتى لو تمكنت السلطة وحكومتها الشرعية من دفع فاتورة الراتب. وهناك حاجة موضوعية لان يرتقي العرب الى مستوى المسؤولية تجاه ابناء جلدتهم من الفلسطينيين، والالتزام بدفع المائة مليون دولار شهريا لموازنة السلطة، لتتمكن السلطة من الوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين والنفقات التشغيلية وغيرها من الالتزامات .
لا داعي لان تنتظر الدول العربية الاملاء من الولايات المتحدة او حكومة اقصى اليمين الصهيونية بشكل غير مباشر للدفع لموازنة السلطة او عدم الدفع. على القيادات العربية التحلي بالمسؤولية القومية تجاه الاشقاء الفلسطينيين. وعليهم ابعاد موضوع الالتزام المالي عن اية خلافات جانبية مع قيادة السلطة الوطنية ، وعدم ربط مصالح الشعب الفلسطيني بالخلاف مع هذا المسؤول او ذاك. لان الوقوف مغ الشعب الفلسطيني، هي مسؤلية قومية، تفرضها العلاقات الاخوية والمصير المشترك، بالاضافة للالتزام الاخلاقي والانساني.
كما على قيادة الشعب الفلسطيني إعادة النظر في علاقاتها مع الدول العربية، من خلال مد الجسور مع الدول المختلفة، وفتح الافق لعلاقات افضل دون حساسيات، ولكن ايضا دون خشية المطالبة وبصوت عال من القادة العرب، ضرورة تسديدهم الفاتورة المالية، التي تعهدوا بها في القمم الاخيرة.
اللحظة السياسية تتطلب من القيادة الشرعية التحرك بسرعة نحو القادة جميعا ملوك ورؤساء وامراء وشيوخ لحثهم على الوفاء بالتزاماتهم. وهذا لا يعني الاستعطاء او ابتذال الذات الوطنية، بل يعني المطالبة من موقع الشقيق الشريك ، صاحب القضية القومية المركزية ، حتى لو حاول بعضهم (القادة) التطاول عليها، وتقزيم مكانتها تساوقا مع اميركا واسرائيل. ولكن ايضا تتم المطالبة للقادة العرب من موقع الاحترام المتبادل للعلاقات الثنائية، وعدم التعاطي معهم بردود فعل سلبية. لان مصالح الشعب العليا تستدعي التعالي على الصغائر، وتدوير زوايا لتفادي الارباكات والتوترات غير المبررة في احيان كثيرة.
العلاقة مع العرب متشابكة ومعقدة ، وتزداد تعقيداً في ظل التطورات العربية الناجمة عن ثورات الربيع العربي، لاسيما بعد تبوأ جماعة الاخوان المسلمين موقع المقرر في العديد من الدول، وخاصة جمهورية مصر العربية ، الدولة المركزية في المنطقة. لذا على القيادة حماية العلاقة الايجابية مع الدول الشقيقة، التي لم تتأثر بالنتائج السلبية لوصول القوى الاسلامية لمركز القرار، والتي لديها القدرة على مد يد العون للشعب والقيادة الفلسطينية.
القيادة الحكيمة، هي القيادة القادرة على تطويع المتغيرات لصالح اهداف شعبها بأقل الخسائر الممكنة.
وتتجاوز حقول الالغام دون الارتطام بها، وتبتعد عن شخصنة العلاقات مع الدول وقياداتها، وتعمم البعد والهم الوطني في علاقاتها مع الآخر العربي.
مع ذلك الازمة المالية تحتاج الى رفع الصوت عاليا، وعاليا جدا ومطالبة العرب، قبل مطالبة الدول المانحة بتسديد التزاماتهم المالية الشهرية، لان للشعب الفلسطيني حق في الاموال العربية ، والالتزام العربي ليس مِنّةْ او كرم اخلاق، انما هو حق الاخوة القومية والمصالح العربية المشتركة، ولان تجويع الفلسطينيين وحصارهم كما تفعل دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية والولايات المتحدة الاميركية، يعني تواطؤ من قبل القيادات العربية مع اعداء الشعب الفلسطيني. وهذا الحصار لا يخدم العرب، لان حدود طاقة تحمل الشعب الفلسطيني باتت تضيق وتنفذ، وان إنفجر خزان السخط والغضب الشعبي فلن يكون هناك رابح.
a.a.alrhman@gmail.com