متفقون مع الرئيس .... لكن حرية التعبير في خطر- جهاد حرب
(1) نختلف معه لكن نتفق عليه
التقيت صيف هذا العام على هامش مؤتمر عقد في القاهرة، مع السيد خالد البطش، تجاذبنا اطراف الحديث وهمنا الفلسطيني هو الأساس، فنال الرئيس محمود عباس قسطاً من الحديث؛ قال حينها محدثي عن الرئيس "نختلف معه لكن نتفق عليه" في اشارة الى صدقه ووضوحه، وإن اختلفت التوجهات والرؤى، وهذا الوصف من خصم سياسي لا يتفق مع الرئيس حول البرنامج السياسي، أي في الاستراتيجية والمنهج.
وأجزم بصوابية ما ذهب اليه محدثي حول شخص الرئيس فهو لا يكذب مع الخصوم؛ فكيف له أن يكذب مع مواطنيه. فالرئيس صرح أكثر من مرة ودون مواربة بأن "الحرية حدودها السماء"، ولا اعتقد أنه قد تخلى عن ما قاله، بل وما فعله هذا العام، بالتحديد عندما اثيرت قضايا اطالة اللسان والقدح والذم والتشهير والمس بهيبة الدولة. إذ أن تعليماته لأجهزة السلطة الفلسطينية بالعمل على ضمان حرية الرأي والتعبير، وتوجيهاته للنائب العام برفضه التام لإغلاق أو حجب أية مواقع الكترونية، وضرورة رفع الحظر عن أي إجراء يتناقض مع حرية الصحافة والإعلام واضحة، وهي أيضا تنسجم مع ما جاء في البند التاسع من برنامجه الانتخابي القاضي بـ"تكريس التعددية السياسية وضمان الحريات العامة وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير".
لكن هناك مجموعتان تسعيان جاهدتين لتكذيب الرئيس بطريقتين مختلفتين الأولى تحاول ارضاء الرئيس لتكون بذلك ملكية أكثر من الملك، إما حبا في الرئيس أو طمعا بنيل رضاه، فتُكثرُ من الأخطاء إلى أن يتدخل الرئيس بنفسه لحل المخالفات "الورطات" التي توقع السلطة والرئيس بها. أما الثانية فيضربون بسيف الرئيس "صلاحياته ومكانته"، ويوحون أن أفعالهم وقراراتهم نتاج رغبة الرئيس وتعليماته، حبا بشهوة السلطة وسطوتها وهم باعتقادي الأخطر على الرئيس وصورته وشرعيته وشعبيته.
(2) "مكتب الرئيس" وحرية التعبير
حَصَلْتُ بعد نشر مقالي بعنوان "في المقهى تُرسم قرارات رئاسية" على نصيحة من مكتب الرئيس عبر طرف ثالث. حملت في طياتها تهديدا، بتحريك دعوى من طرف المستشار القانوني للرئاسة أمام القضاء بتهمة القدح والذم والتشهير، وربما تطويل اللسان على مقامات عليا، لما جاء في المقال المذكور أعلاه، أو التقدم بطلب للنيابة العامة لتحريك الدعوى وفتح التحقيق. وها وقد حرك "مكتب الرئيس" بحاله القضية لدى النيابة العامة بإضافة تهمة المس بهيبة الدولة.
وكما حملت (النصيحة) طلبا بعدم المساس أو الكتابة عن كبار المسؤولين أو كبار موظفي الرئاسة "مكتب الرئيس كما يفضل البعض" بدعوى حساسية الوضع الراهن، وأن كل كتابة متصلة بأفعالهم هي ضد الرئيس محمود عباس ومساس بشرعيته خاصة في ظل ما تتعرض له القيادة الفلسطينية والرئيس شخصيا من هجمة شرسة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الاسرائيلية وكذلك من أطراف اقليمية.
هذا القول؛ بأن مَنْ يَكتب هو جزء من مؤامرة أو مشارك في مؤامرة ضد الرئيس كلام يجانب الصواب. كما لا يحق لأحد أن يتهم الناس في وطنيهم للدفاع عن الذات أو المزايا أو الاخطاء.
وإن هذا القول يجافي ما أكده الرئيس غير مرة "إن الحرية حدودها السماء". فهل يعقل لأحد دونه منزلة أن يحجرها؟! هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، كبار موظفي الرئاسة بمن فيهم المستشارون هم في مناصب عامة مساءلون عن أفعالهم أمام المواطنين "دافعي الضرائب"، وهم أيضا بأفعالهم يمثلون الرئيس وصورته في المعاملات اليومية.
يبدو أن البعض تغيبُ عنه أن مهمة الاعلام والإعلاميين تشبه مهمة النيابة العامة ووكلائها في مجال مكافحة الفساد أو تعقب أعمال قد تشوبها شبهات فساد، ورصد المخالفات. لكن ساحة المحاكمة مختلفة؛ فالنيابة العامة تحيل إلى المحكمة النظامية فيما الاعلام يحيل إلى المحكمة الشعبية. لذا فإن المقالات الناقدة والتحقيقات تسهم في توضيح الحقيقة من جهة، وتصوب الأخطاء والزلات من جهة ثانية، وتقوي المجتمع والقيادة في مواجهة الاحتلال ومن خلفه من جهة ثالثة.
وأقول، في الطلب أو التهديد لمن لا يرغب في النقد عليه أن يحترم القانون ويسلك سلوكا قويما، أو أن يخلد للنوم في بيته لا يفعل شيئا ولا ينفق من المال العام فلسا. وإلا فإنكم تُفقدون الرئيس شرعيته دون أن تعلموا أو انكم تعلمون.
(3) البطل والضحية والقضية الخاسرة
سيادة الرئيس؛ أنا لست بطلاً كما أني لن أكونَ ضحيةً، إنما أنا فلسطيني مرفوع الرأس بل شامخا لا أخاف. فأنا ابن المخيم مقدم التضحيات، وابن المدينة دافع الضرائب، وأنا أيضا ابن الفلاح الذي عَشِقَ برتقال يافا. وأنا ممن حق عليهم ما جاء في النشيد الوطني التونسي "نموت ونحيا على عهدها ... حياة الكرام وموت العظام" ففلسطين أكبر منا جميعا.
ملاحظة: الجمعة القادمة عيد الأضحى "كل عام وانتم بخير" نلتقي في الجمعة الموالية مع مقال يزعج بعض الذين لا يرغبون النقد.