الهاربون من قضيتهم- فؤاد ابو حجلة
صحيح أن قضية الحرية واحدة بغض النظر عن الزمان والمكان، وصحيح أيضا أن ايمان المرء بحقه في الحرية لا يكتمل الا اذا كان مقرونا بايمانه بحق الآخر، أي آخر، في الحرية. لكن من لا يناضل من أجل حريته في وطنه ينبغي الا يتنطح للدفاع عن حرية الآخرين في بلادهم.
كانت فلسطين حاضرة دائما في وجدان المناضلين العرب، ولم يكن ملتبسا موقف المناضلين الشيوعيين الذين واجهوا الرجعيات الحاكمة على امتداد خريطة العرب في عقود التوهج الثوري في القرن الماضي، لكن الهم الفلسطيني لم يتقدم على الهم السوداني لدى عبد الخالق محجوب، ولا تقدمت فلسطين على لبنان في نضال فرج الله الحلو، وما كانت فلسطين ونضالها الا محفزا لصمود قوى التغيير في المنطقة عبر كل مراحل الصراع.
في هذا الفصل العربي السياسي المحير تظل فلسطين أيضا حاضرة في روح ثورات التغيير وفي ضمير الناس التائقين الى الحرية والخلاص من القمع والتبعية والارتهان، ولا تغيب عن وجدان الثائرين في سوريا وفي مصر وفي تونس وفي اليمن، لكنها تغيب عن برامج ونشاطات وكتابات الكثيرين من المثقفين والنشطاء الفلسطينيين الذين انخرطوا في أطر الترويج لبدء المرحلة الثانية من العصر الاميركي في بلاد العرب.
تعلو أصوات هؤلاء في مؤتمرات الترويج لضرب سوريا، ويقدمون الأطروحات الدفاعية البائسة عن مخرجات الربيع الذي لم يطح بالطغاة لكنه غير أسماءهم. ويتحمسون كثيرا في التحريض على التدخل العسكري الأجنبي في دول الثورات، ولا يجدون غضاضة في قبول احتلال القوات الاجنبية للأرض العربية تحت مظلة الدفاع عن حقوق الانسان العربي. ولا يرتبكون أو يتوقفون للتفكير دقيقة واحدة حين نرد عليهم بضرورة قراءة المشهد العراقي وحقوق الانسان بين النهرين المحتلين في عهد الخلاص من الدكتاتورية وديمقراطية التقاسم الوظيفي بين اميركا وايران في العراق.
يتحمس هؤلاء أيضا في الانحياز للحل العسكري ويقاومون بضراوة فكرة الحل السياسي الداخلي في سوريا، لكنهم في الوقت نفسه، لا يبدون هذا الحماس للحسم في فلسطين، بل إنهم يتهكمون على خيار المقاومة لتحرير الأرض.
لم أعد قادرا على تصديق براءة أو حتى سذاجة هذا الموقف، فالمثقفون والنشطاء الاسلاميون والليبراليون الذي ارتبطوا عمليا بالمشروع الاميركي في المنطقة يؤدون أدوارهم باعتبارها وظائف ضامنة للبقاء على قيد البقاء النظري وعلى قيود المال المشبوه.
الذين يهربون من حريتهم لا يمكن أن يصنعوا الحرية للآخرين، والذين يشاركوننا الاعتقاد والقناعة بأن بشار الأسد مجرم وعدو لشعبه ينبغي أن يتفقوا معنا أيضا في أن نتنياهو وباراك وعصابة الحكم في تل ابيب مجموعة من المجرمين والقتلة الذين لا يمكن حوارهم.
لم نخسرهم ولم تخسرهم فلسطين لكنهم خسروا انفسهم، وأكدوا بأنهم كانوا مجرد حمولة زائدة ارهقت الحالة الوطنية الفلسطينية.