في الوقت غير الضائع- احمد دحبور
قبل بدء الكلام، سأعترف بأن هذه الخاطرة تفتقد الفرصة الناجعة لتحويلها إلى اقتراح واقعي وفق المعطيات غير السعيدة التي تتلبد في الفضاء الفلسطيني الراهن. ولكن إذا كانت السياسة هي فن الممكن، فإن من حق النوايا الطيبة أن تتحرش بالواقع وتلقي أسئلة من نوع الحجر الذي يهز ركود ماء البئر.
والواقع أن الأشقاء في حماس، ليسوا وحدهم من يعانون ركود الماء السياسي هذه الأيام، ولكنني أخصهم بالاهتمام بوصفهم موضوع هذه الفكرة، وقبل ذلك لأنهم قوة وطنية قادرة أن تفعل الكثير إذا أرادت، والركود السياسي الذي يحيط بالأشقاء في حماس، يعبر عن نفسه بانحسار الزخم العسكري الذي ظل لفترة لا يستهان بها عنوان الخطاب الحمساوي في المناظرة مع السلطة الوطنية الفلسطينية، ويتبع هذا الانحسار موضوعياً انحسار مؤلم في المبادرات السياسية حتى نكاد نقول إن الحراك الوحيد الذي ظهر في حماس مؤخراً، هو لحظة سلبية تتمثل في عدم رغبة الأخ خالد مشعل في تجديد انتخابه لرئاسة الحركة، والذين يعرفون أبا الوليد - وهم كثر - يشهدون للرجل بالعقلانية وسعة الأفق ومحضر الخير الذي كان بلسماً لمشروع الوحدة الوطنية. وإذا كان الموقع لا يسمح لأمثالي بالتدخل في هذا الموضوع الحساس، فإن الأمنيات لا يمنعها أحد.. ولكن الرجل هو صاحب الكلمة الحاسمة في التجديد من عدمه، وكذلك بطبيعة الحال حركة المقاومة الإسلامية حماس.
فإذا خرجنا من المقاربة والتمهيد، إلى مخاطبة الواقع الراهن. أرى أن حماس كيفما قلبتها تظل، بعد كل خلاف واختلاف، حركة وطنية، بل هي جزء نوعي من مجمل الحركة الوطنية. وعليه فإني أتساءل ما المانع في دعمها التوجه الفلسطيني إلى عضوية الأمم المتحدة؟ وإذا قيل إن هذه العضوية - في حال الفوز بها - ثمناً سياسياً يطول المبادئ والثوابت، فإن هذا الأمر يخص الفلسطينيين جميعاً، وكما جرى حوار مرير، لكنه خلاق، بين مختلف الفرقاء الفلسطينيين أيام الرفض والقبول وما استتبع ذلك من حوار حول النقاط العشر والدولة الفلسطينية، فإن هذا الحوار قابل لأن يعاد إنتاجه، لا بمعنى أن فصيلاً سيجر الآخرين إلى مواقعه، بل بأحقية أن كل فصيل له أن يبدي رأيه ويستقتل من أجله نقله إلى حيز الواقع. فدعوة حماس إلى قبول مشروع دخول الأمم المتحدة، لا تعني بحال أن ينتسب الحمساويون إلى حركة فتح؟؟ بل من حقهم أن يزاحموا وينافسوا ويختلفوا ما دام ذلك على أرض القرار الوطني، فالوطن كلمة سواء ملزمة للجميع. والمتابع الموضوعي يضع في حساباته أن حماس تستقطب مساحة لا يستهان بها من الشارع الوطني تخولها بطرح ما تريد..
في ضوء ما سبق، يثار سؤال الخريطة الفلسطينية الراهنة، فليس معقولاً أن يستمر تشتت التمثيل الفلسطيني عملياً بين غزة ورام الله، ولا أظن العدو يرغب لنا في وضع أسوأ من هذا الوضع الأليم، إضافة إلى أن الكليشة العربية الرسمية المكرورة - وهي كلمة حق لا أدري ما يراد بها حقاً - حول ضرورة وحدة الفلسطينيين، هي كليشة قابلة لأن يتنصل بسببها المقصرون عن دعم النضال الفلسطيني، ولو حسبناها مصلحياً بالمعنى الضيق للكلمة، لرأينا أن لقاء غزة رام الله ليس مصلحة وطنية فقط، بل هو ضرورة وطنية تشكل مقدمة لأي عمل فلسطيني جاد.
قلت منذ السطر الأول إن هذا كلام غير سياسي، لا لافتقاده المنطق، بل لأن الضاغط الأكبر في المعادلة الفلسطينية هو الأمر الواقع حتى الآن وليس الأمر الممكن.. ولكن الحراك الوطني العام يشير إلى أننا لا نلعب في الوقت الضائع، بل في الوقت الذي يجب ألا يضيع.. إن الرهان قائم أساساً على افتراض حسن النية، والتسليم بأن الطرفين الفلسطينيين الأساسين هما طرفان وطنيان.. وهذه ليست رشوة إنشائية لفتح وحماس بقدر ما هي مدخل إلى تحميل المسؤولية وتحملها لدى كل منهما.
لكن حسبة حقل الواقع السياسي لم تتوافق مع حساب البيدر الوطني، إذ سرعان ما أعلن الأخ اسماعيل هنية رفضه البات لفكرة الانتخابات المحلية التي كانت أحلام اليقظة تزين لي أن أناشد حماس بتبنيها والمشاركة فيها، فكان ذلك نوعاً مما يسميه أهل المنطق، المصادرة على المطلوب، أي استباق التفكير في السير خطوة باتجاه المصالحة الوطنية التي يتمناها الفلسطينيون الوطنيون، والإصرار على الافتراق فيما لن نيأس من الدق على جدران الخزان ومناشدة «الإخوان» بترجيح المصلحة الوطنية على كل ما عداها.. ولا مناص من مواصلة المحاولة حتى لا نكون مجرد لاعبين في الوقت الضائع.