فتح بين الانتصار الساحق والنكسة الكبرى (ح2/2)- بكر ابو بكر
قراءة في انتخابات البلديات 2012
إن ضعف التواصل القيادي، وضعف عمل الأطر وعدم المتابعة أو المتابعة بشكل غير سليم وغير دوري وانسحاق مساحة المشاركة وتحولها لعلاقة حب من طرف واحد (أمر= طاعة)، من قبل البعض في القيادة أو (اقتراح = قرار) من قبل خاطئي الفهم في القاعدة، قد وسّع من الشق فدخلت من خلاله رياح سموم ووسوسات مخربين وطعنات حاسدين وافتراءات مغتاظين وخطط متساوقين مع الاحتلال، ما يحتاج لثورة تنظيمية حقيقية.
الكادر على حق والانتصارات
إن الكادر التنظيمي دوما على حق، ولا يكون القائد التنظيمي دوما على حق، فحيث يؤخذ القرار فان احتمالات الخطأ والصواب تتقابل (والقرار يؤخذ في المستوى القيادي)، والخيار من البدائل دوما ما يحيّد بديلا أو أكثر صالحة للتطبيق، إلا أن الرغبة أو الأغلبية أو الهوى أو النفوذ حكمت باختيار البديل الذي أصبح قرارا، فتبرز هنا درجات من المعارضة من الممكن استيعابها (بل من الواجب استيعابها) ودوام التحاور معها لا تهميشها واتهامها وشطبها ما يجعل من الجسد عليلا والنََفس متقطعا.
إن الكادر التنظيمي على حق لأنه صاحب الفكرة أو الاقتراح/التوصية المقدمة للقيادة، والذي يظن أنه الصواب ولا يجد من يحاوره فيقول له ان هناك بدائل وهناك احتمالات وهناك أولويات، فعدم الرد عليه إهمال وتهميش قد يعمق الانفراد أو الشعور بالحقد أو الرفض، وهنا تأتي أهمية الأطر الفعالة والاتصالات المتواصلة ومساحات المشاركة المطردة.
والكادر على حق لأنه يريد أن يُسمِع صوته، ويعبر عن حرصه الذي قد يصل أحيانا بشكل خاطئ للعلن ما لا يتفق مع النظام الداخلي وما يحتاج لاستيعابه بشرط عدم التكرار. وهو على حق لأن على عاتقه مهمة إقناع الجماهير والاحتكاك بها وتعليمها والتعلم منها والاستماع لها، فهو بوق الدعاية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح، وهو المنفذ الأمين لمواقفها وسياساتها وقراراتها، ولكن ليس بلا ثمن حيث إن ثمن ذلك هو (الاعتراف) بالكادر ودوره ومكانته في اطاره و (التقبل) لرأيه حسب النظام و(التفهم) لغضبه أو رفضه أو حدة تعبيره عن حرصه، والسعي لمزيد من (المشاركة) معه في إطاره، وحيث وجب أن يتم الاستماع له باحترام وتقدير.
كما يقول الاستطلاع فإن نسبة مشاركة النساء والرجال متساوية تقريبا (45% للنساء و 55% للرجال) وان الشباب تحت الثلاثين وبنسبة 38% كان لهم دور حاسم في التصويت للانتخابات المحلية، وحاسم بوضوح في عديد المواقع دون غيرهم من الفئات العمرية ما يستدعي من قيادة حركة فتح أن تصطف أمام القيادة الشبابية الفتحوية لتحييها تحية عسكرية على ما حققته من انتصارات كاسحة في انتخابات الجامعات والكليات مفسحة لهم الطريق في المؤتمر السابع الذي بدأت أنواره تطل من بعيد ليجلسوا في الصفوف الأمامية بكل ثقة.
وقال الاستطلاع ان 66% من المصوتين هم من العاملين في القطاع الخاص و 27% في القطاع الحكومي و 7% يعملون في مؤسسات المجتمع المدني، ولكلّ منهم في آلية التعامل طريقة، لكن يلاحظ نسبة العاملين في مؤسسات المجتمع المدني خاصة وأنهم من الفاعلين في الإعلام، واستخدام شبكات التواصل وبالتالي إدراك حجم تأثيرهم رغم صغر حجمهم، مع التركيز الأكيد على المزارعين والفلاحين والعمال الذين يحملون على أكتافهم مهمة شاقة هي بناء البلاد وتحريرها.
لا جدال أن الاستطلاع والنتائج قد أوضحت أن هناك شرخا في حركة فتح، وان هناك تصدعا قد يودي بالبناء إن لم يتم تداركه، بسبب العلاقة الملتبسة في داخل الحركة من جهة، ولأسباب عدة منها افتقاد الانتصارات السياسية الكبرى، وافتقاد الشعور بالأمل أو الحل السياسي إضافة للضائقة الاقتصادية التي فجّرت مخزون الغضب، وكذلك استمرار الانقلاب في غزة الذي همش القضية لدى العرب وباتوا ينظرون لنا شزرا، ويتجنبون الخوض في الشأن الفلسطيني إلا لماما.
إن الشرخ ذا العمق السياسي الاجتماعي التنظيمي يلقى له صدى في قلة وازع العمل وتذبذب العلاقات وفقدان الثقة والازدياد المطرد لحدة المعارضة والنقد، ونقصان مساحات الاتصال والمشاركة والانتخابات الديمقراطية داخل أقاليم الحركة وهذا عيب قيادي، وإضافة لظهور جماعات من المتسلقين والمخربين في جسد الحركة وجب التعامل معهم بحزم وإلقاؤهم خلف الريح، والتعامل مع الحركيين الآخرين (الغالبية العظمى) على قواعد إحداث التوازن في ثلاثية: (النظام الداخلي، والثقة المتبادلة، والمحبة والمشاركة) لا العقوبات فقط.
نعم لقد انتصرت حركة فتح انتصارا ساحقا أنها أرسلت رسائل مهمة للاسرائيليين والعالم، وحققت انتصارا ساحقا أنها كرست ثقافة الديمقراطية والحرية وطنيا (والتي لا تتوقف عند حد صندوق الانتخابات فقط) فلقد آمن 93% من المستطلعين بان لصوتهم تأثيراً، وهذا انتصار عظيم حيث إن الناس تثق بنفسها وتشعر بأهميتها لذلك كان 88% من المستطلعين سعداء و 2% فقط غير سعيدين مما يغير الصورة النمطية التي يحملها البعض عن مجتمعنا انه مجتمع تعيس بائس محبط فقط
فحيث (انتخيته) -أي الشعب- فإنك تجده أمامك، وحيث أشعرته أن لا دور له زادت معدلات الإحباط والرفض في رأينا، لا سيما وان 92% وهي نسبة ساحقة وتحسب انتصارا لحركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح رأت أن الانتخابات نزيهة مقابل 2% فقط رأوا غير ذلك، ونفس النسبة تقريبا 93% راضية عن أداء لجنة الانتخابات وحيث عبر المعظم أن مشاركتهم واجب وطني أو لأهمية المجالس في خدمتها للمجتمع.
بالعمل والأمل نواجه العدو
ماذا من الممكن أن نقرأ أيضا مما سبق؟ فيما حصل في الانتخابات البلدية؟ واستجابة لقول د.رائد نعيرات أن (على فتح أن تحل مشاكلها) وأيضا استجابة لمئات المراسلات التي وردتني من الكوادر الفتحوية سواء تلك التي ابتهجت بالنتائج واعتبرتها انتصارا ( أو تلك التي اعتبرتها محبطة أو كارثية من باب النقد والحرص وليس من باب الثلب والمناكفة والحقد وتمني الدمار) لأحد أسباب أربعة: هي أنها تكريس دستوري قانوني ديمقراطي ثقافي أو لأنها أشعلت نار التحدي أمام حركة فتح واستطاعت أن تحقق فوزا في معظم المجالس البلدية والقروية أو/و لأنها تحدت الاحتلال ومحاولاته في إتعاس الشعب وإحباطه، وأيضا لأنها تأتي رفضا لمنطق حماس السقيم الذي يرفض الانتخابات في غزة تحت دعاوي وأباطيل مقلوبة.
وبالنسبة للمجموعة الثانية من الكوادر التي اعتبرتها محبطة أو كارثية فنظرت لها من شقين الأول: يضع القيادة في دائرة الاستهداف، والثاني يضع كل اللوم على الكوادر والأعضاء وفقدانهم لحس الانتماء والالتزام بالحركة.
لم تكن الانتخابات نصرا ساحقا ولم تكن نصرا فتحويا كبيرا أبدا، فهي إن جاز لنا القول نصر لثقافة ولفكرة ومسلكية الاعتماد على الشعب والثقة في الشعب والارتباط بالجماهير في سياق أدبيات حركة فتح التي تعتبر أن قواعد المسلكية في المجال الجماهيري تعني حسن التواصل والارتباط وزيادة حجم المشاركة ما تفتقده الكوادر والعناصر الفتحوية داخل أطرها المهشمة، وبذا فإنها تطالب به، وتحصر رأيها في هذا الاتجاه محملة القيادة كل الذنوب متناسية (وأقصد هنا بعض القيادات الوسيطة) دورها هي الضعيف أوالمتهالك أو الانسحابي أيضا على الصعيد الجماهيري.
إذن هي نصر للثقافة والفكرة والمسلكية الثورية الفتحوية التي إن استمرت بواقع الالتحام الجماهيري الموحّد من كل اجتهادات الحركة فإنها قد تحقق النصر الحقيقي ضد الاحتلال، وضد الانقلاب وضد النفس الأمارة بالسوء.
إن الانتصار الفتحوي دوما ما يكون انتصارا فلسطينينا وهذا ثانيا، فالمركب عندما يسير بإرادة الحركة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح فان تروس المركب تتحرك فتصعد من قيمة الأمل والإيمان بالمستقبل وتحفز المواطنين على الإبداع وتحسّس طريقهم الحقيقي، واختيار ممثلهم في شحذ حقيقي للإرادة وتكريس فعلي للعطاء الديمقراطي ما يعول عليه في ظل نظام الاتصالات العالمي الجديد (الشابكة والفيسبوك والفضائيات...) أن يعيد تركيب العقلية لترفض القيود واعتقال الجسد والعقل كما يفعل الاحتلال من جهة، وكما تفعل التنظيمات الفكرانية الظلامية، أو كما تفعل القيادات ذات الفكر السلطوي المهيمن من قادة التنظيمات الفلسطينية بما فيها حركة فتح.
إن حركة فتح الانتصار الثقافي والوطني والجماهيري تحتاج لحراك قيادي في مستوى للجنة المركزية والمجلس الثوري يرعى مستوى المشاركة ويكرّس معطيات التغيير في إطار المقاومة الشعبية من جهة، وتفعيل الأداء القاعدي الضعيف والمهلهل، وإحداث التغيير في الشخوص والأطر، فكما كان المؤتمر السادس قفزة حقيقية رغم الملاحظات العديدة عليه من البعض، فان القفزة القاعدية تعني تفعيل ثقافة الشورورية والديمقراطية وإحداث التغيير النظامي لان المستقبل يصنعه المبادرون، ويصنعه الشباب ويضعه المتحفزون، وليس أولئك الذين يغلقون عقولهم وأبوابهم دون الناس مفترضين بذواتهم الحكمة كل الحكمة وظانّين كل الظن ما هو إثم هنا أن كلمة منهم تزن بميزان الذهب وأن على الجميع مجرد هز الرؤوس إعلانا للسمع والطاعة.
كما ان المستقبل الذي تصنعه الكوادر هو ذاك الذي تشارك به عبر الأطر وعبر فعلها اليومي لمصلحة الحركة لا تلك التي تعزف عن العمل وتنعزل في بيتها شاكية باكية لاطمة، أو مباغضة وحاقدة لا هم لها إلا التخريب أو الشتم على حركة فتح أو التعهير بها أصابت أم أساءت، وكل همها أن ترى وجوه أبناء فتح مسودّة لحسابات ومواقف شخصية أو ثأر قبلي... فما هم أولاء من حركة فتح وإن تغطوا بردائها وما هم من نبتها عطر الرائحة أو المثمر الذي لا يطرح حنظلا ولا سموما.
كما لم تكن الانتخابات نصرا كاملا (للتنظيم) الفتحوي فهي خسارة له، فإن كان التنظيم يعني القيام بعمل مشترك فهذا لم يتحقق بالانتخابات في عديد المواقع، وان ارتبط التنظيم بسلسلة القيادة والمركزية الديمقراطية فلم نر مظاهر تؤكد ذلك من حيث (المشاركة) أو (الالتزام) وهما مترابطان وثبت كما أشار استطلاع (أوراد) ضعفها بالاتجاهين.
وإذا كان التنظيم يتحدد بالإيمان بالفكرة والتعبير الجماعي عنها فلقد كان التعبير متفرقا ومتوزعا كما كان الإيمان حتما ضعيفا لان عوامل الثقة (ثقة الناس) وتلبية الاحتياجات لم تكن العامل الحاسم في الاختيارات القيادية (اللجنة المركزية) للقوائم المركزية وعلى رأسها رام الله التي مثلت كما قال نبيل عمرو (لجنة تنفيذية مصغرة لمنظمة التحرير الفلسطينية) بترهلها وتمثيلها غير الجماهيري.
إن الإيمان القاعدي الفتحوي إيمان متزعزع في جزء منه لافتقاد المهمة (مهمة العمل) والقدرة على العطاء وعدم وجود برنامج يومي، وفي الجزء الآخر تضعف نسبة المشاركة وضعف التواصل فيما بين الكوادر والأعضاء أنفسهم وبينهم وبين الأطر القيادية.
وإذا كان التنظيم يرتبط بهيكل عمل وأدوات فعل فإننا نفتقد للمرتكزات الخمسة التي طالما تحدثت وأشرت وكتبت فيها، وهذا مطب قيادي بل وخطيئة قيادية وقاعدية مشتركة لا نستطيع أن نضع إزاءها اللوم على الغير منزهين أنفسنا.
قلنا تكرارا أن التنظيم بلا خط سياسي واضح، أو بلا خطة أو فكرة أو مهمات عمل يومية و أمل، والتنظيم بلا قيادة رشيدة كالجسد بلا رأس يمشي مكبّا على وجهه، وأدرجنا مرتكزات خمسة مرتبطة بالمتابعة الدءوبة للإدارة التنظيمية وهي:
1. الاجتماع التنظيمي الدوري (أسبوعيا أو كل أسبوعين) لكافة الأطر، وإلا لا أطر أصلا بل مجرد مجاميع أو جمهور هائم على وجهه تحركه الشابكة أو الاشاعات فيما تحركه.
2. الحوار والنقاش وتقديم التقارير الدورية المكتوبة للأطر العليا.
3. ارتباط الفعل التنظيمي بثلاث: مسؤول محدد لكل شخص،ومهمة عمل أو واجب محدد له، ومتابعة.
4. وجود هيكل وتراتبية واحترام وثقة وتكامل جهود ضمن الإطار الواحد.
5. التواصل التنظيمي ومع الجماهير لا سيما وان استطلاع (أوراد)كمثال قد أعلى من قيمة اللقاء المباشر (والشفوي) المشترك بين الأفراد والناس، كما أشار لأهمية (الشبكة = الانترنت) التي بدأت تأخذ حيزا تفاعليا لا يجوز بأي شكل من الأشكال إهماله.
لقد وقعت الإدارة الفتحوية في مطبات في الانتخابات البلدية، ولكن فازت الإرادة الفتحوية بالمقابل وتألقت الفكرة، ويمكننا أن نرى ذلك في خمسة أمور:
اولا: انتصرت حرية التعبير في حركة فتح مما يستدعي تفهم معنى أن يكون هناك كلمة للشباب والكادر الفتحوي، وان نتفهم ضرورة التغيير العاجل في الأطر الفتحوية (إقليم ومادون) بعد أن تكلست أقاليم فيها بحيث يجوز تصنيفها الى أ و ب و ج، حيث (أ) ظهر العمل والالتزام مقترنان وغاب في (ج) الاثنين معا، وحيث وجب نظاميا تغييرها منذ زمن.
ثانيا: حيثما توفرت الفرصة للكوادر ظهر العمل والعطاء، ففي الانتخابات المحلية كانت الفرصة حقيقة لكوادر فتح لتعبر عن نفسها ولتقول (لا) صاخبة في وجه القيادة إذ رأت بعض الأخطاء أو التجاوزات، أو بعض الإهمال لها، وفقدان الصلة بها (استفقاعا) لها وتبرما بمطالبها أو وجهات نظرها الراغبة في إيصالها للقيادة.
فالقائل أن القيادة متى فكرت فلقد أصابت ومتى قررت لزم السمع والطاعة في المنشط والمكره قد أخطأ خطأ كبيرا، فدون فعالية الأطر وحلقات الاتصال المفتوحة حسب النظام، ومستوى المشاركة الأوسع وإتاحة الفرص وتنشيط الأداء اليومي للتنظيم حسب النظام الداخلي (لقاءات وحوارات ومؤتمرات واجتماعات...) فلا سمع ولا طاعة ولا منشط ولا مكره الا في التنظيمات الظلامية الآيلة للسقوط.
ثالثا: حيثما وجدت الخطة وضحت المهمات فانطلق الانجاز وتراكمت الانتصارات، وحيثما غابت الفكرة أو الخطة أو السراطية (الاستراتيجية) الموحدة للتنظيم في الآليات الخمسة المذكورة أعلاه وقع المحظور، وأصبح التشرذم هو الإطار الحاكم وأصبحت الكوادر في حلّ من الالتزام كما يتهيأ لها. ولان حركة فتح حركة الإبداع والمبادرة والنهضوية، وحركة المستقبل الواعد التي تتحدى فيه نفسها إن لم تجد من تتحداه ولرغبتها الأكيدة والدائمة في تحقيق الفعل والانجاز، فلقد حاورت نفسها بمشقة وصرخت بوجه نفسها ونظرت للمرأة وحطمتها ووجهت لذاتها اللطمات تلو اللطمات علّها تحقق فوزا ولو بالمرآة فتنتصر.
وان كان هكذا فعل يعدّ مقبولا في الأطر الداخلية للحركة فانه وتحت أي ذريعة لا يقبل في الخارج وإلا لعٌدّ تمردا وانشقاقا ومعارضة غير نظامية ما يستحق منا حسن القراءة والتصويب، فالخطأ في حال النزق خطآن حيث الحكم المطلق من جهة والحكم المتسرع من جهة أخرى.
إنهم إخواننا (وخالفونا)، حيث كان علي بن أبي طالب يرفض تسمية الخوارج بالكفار أو الفاسقين وقال لمن سألوه (انهم إخواننا بغوا علينا)، وعليه فحيث وقع الخطأ وجب الحساب وفق منهجية النظام الداخلي من جهة، وقانون المحبة من جهة أخرى، وسلطان التفهم والاعتراف بالآخر والتقبل ثالثا، ومن موقع الاعتراف بالخطأ رابعا، وأيضا من ضرورة تنقية الشوائب في الجسد الفتحوي، فتفاحة واحدة فاسدة جعلت من الناس في هذا المكان أو ذاك يعافوننا فلم لا نخرجها من الصندوق.
إن هذه القواعد المذكورة في إطار المحاسبة والتي لا تنفصل عن حسن إدارة الناس والتنظيم وملازمة احتياجاتهم وتفهم أفكارهم واحتضانهم ومحبتهم وتكليفهم وتسيير حياتهم التنظيمية بفعل وعمل يومي ومتابعة لا تنقطع تكسب الكادر التنظيمي (الثقة) و(المحبة) وتُعطيه الإحساس بكيانه وبوزنه من حيث (المشاركة) والتواصل، والهدف دوما رضاء الله سبحانه وتعالى وتحرير فلسطين همنا الأول والأصيل.
رابعا: إن أبناء حركة فتح هم أبناء الإرادة والتحدي، فكما فازوا بشكل ساحق سلب الآخرين لبّهم في انتخابات الجامعات كلها على عكس تخرصّات وأضاليل حماس غزة وغيرها وما شهد به العالم. فان حركة فتح في الانتخابات البلدية في حقيقة الأمر امتلكت الإرادة و تحدت هذه المرة للأسف نفسها في سياق ضعف آليات المشاركة والاتهامات بالاتجاهين حيث ضعف السيطرة القيادية على الأعضاء لذات السبب، ولأخطاء إدارية وتنظيمية وتقديرية لدى اللجنة المركزية من جهة، ولضعف السلوك الانضباطي لدى أعضاء الحركة لما ذكرنا من أسباب آنفا حتى أصبحت الحركة تذوب في جماهيرها فلا تكاد تميّز بين العضو وجمهور الحركة الانتخابي ما يستدعي تعميق الوعي والثقافة الحركية. فأبناء الحركة هم دعاتها وليسوا معارضيها، وان جاز لهم التعبير والاختلاف فالملعب الأصلي مفتوح دوما داخل الأطر وليس في الانتخابات أو على الشابكة أو قنوات الفتنة.
خامسا: وهنا مفصل صعب ومحور أساسي ومعطى لا يمكن تجاوزه وهو مستوى أو حجم ( المشاركة والتواصل ) فحيث لا خلاف فكري أو عقدي أو فقهي في حركة فتح اليوم فإنها نجت من الانشقاقات، وحيث لا متطرفين أو منسابين فإنها تيار الوسطية الحقيقي في الحضارة العربية الإسلامية حضارتنا الفلسطينية كمسلمين ومسيحيين.
ولكن العالم قد تغير كليا وهو في سنوات قليلة قد انطلق بالبشرية بسرعة فاقت سرعة الضوء في عالم الاتصالات الحديث حيث لم يعد الفرد أو العضو في أي تنظيم مجرد رقم أو كومة مهملة، فشفاء القلوب الجريحة والنفوس العالية و صاحب الطموح يأتي عبر الاعتراف به وتقبل رأيه ومن ثم مشاركته لا مقاطعته. ويأتي أيضا عبر تفعيله بالعمل والمهمة لا تهميشه، فلا تهميش ولا ركون ولا زوايا منسية في ظل ثورة الاتصالات.
إن كافة التنظيمات مدعوة اليوم لحسن النظر في طريقة وآليات تعاملها مع أعضائها وان لم تدرك حجم المتغيرات السياسية والاجتماعية والنفسية في العالم ولدى الأفراد، فان المجتمع قد يتجه لطرق أو أساليب تؤسر بالبعيد (ويكون هذا البعيد جغرافيا والقريب الكترونيا الخصم أو العدو) وتتأثر به، بل وتفتن على حساب بناء الفكر التحرري والقيم الدينية والوطنية وعلى حساب وحدة المجتمع وحصانته الداخلية.
إننا أمام ثلاثة أعداء في فلسطين وليس عدو واحد ومن الممكن مواجهتهم بشكل متوازي، وعلى كل شخص أن يرتبهم كما يشاء من حيث الأولوية. فعدونا الأول هو الاحتلال وممنوع أن نغض البصر عن ذلك في أي مرحلة من المراحل لأن فلسطيننا بالانتظار هي باقية ونحن زائلون، فان لم نتغلب على هذا العدو ممثلا بالاحتلال البغيض وبالحد الأدنى أن نبقى الراية مرفوعة للأجيال المقبلة فقد خسرنا خسرانا مبينا.
أما العدو الثاني أو الأول فهو أنفسنا فلنرسم أو ليرسم كل منا طريق حياته بما لا يبتعد فيه عن ربه سبحانه وتعالى ووطنه و خدمة الناس والتنظيم، والعدو الثالث أو الأول رتبه كما تشاء هو الفرقة والتباغض لسبب الانقلاب الدموي في غزة وما نتج عنه من انقسام حاد قد يودي بالقضية أجيالا للوراء.
إن الأعداء الثلاثة في حرب معنا وليس لنا إلا سلاح الإيمان العظيم والالتزام المكين وخطة أوسراطية و برنامج الارتقاء بالنفس وخدمة الجماهير وبناء التنظيم وفي إطار البرنامج النضالي اليومي المقاوم وما نقضي به على الانقلاب والاحتلال والسلبية وأطوار جديدة من النكوص أو التراجع، ويبقى مشعل الأمل والعمل مرفوعا حتى تحرير فلسطين.