ذاكرة الحزن و نافذة الأمل !- يحيى رباح
آه، كم أنت حزين يا تشرين، لعل أنهارك تنبع من بحيرات الدموع، و لعل رياحك تهب من داخل الكهوف الموحشة، وذاكرتنا معك كانت دائما مجردة، مفعمة بالدهشة، ومسكونة بالفجيعة، بدايتك وعد بلفور المشؤوم، و نهايتك قرار التقسيم الطافح بالظلم، و في لحظة التطابق النادرة، في اليوم الحادي عشر في الشهر الحادي عشر فاجأنا الحاضر في وجداننا بالغياب، ياسر عرفات الذي دعانا أن نصعد إلى جبل الجليد لنشق طريقا شريطة ألا نتجمد، و أن نصعد إلى جبل النيران شريطة ألا نحترق، وأن نعبر مخاضات الوحل ولا نتسخ، و أن نسترب من المسافات المعدومة بين حبات المطر ولا نبتل .
يا إلهي الرحيم : كم أن خياراتنا صعبة، هذا الشعب الفلسطيني خياراته صعبة، معادلته صعبة احلامه عادلة ومستحيلة، اعداؤه يحتشدون من أبعد الأبعدين إلى أقرب الأقربين، خناجرهم مخبوءة عن جلودهم، و أنت يا أيها الشعب الصامد ليس لك خيار سوى أن تواصل المحاولة، و تصنع لنفسك فجرا بعد فجر، و نجمة بعد أخرى تهديك حين يكون الليل مسيطرا و الطرق تائهة، فليس أمامك سوى أن تهتدي، و أن تصعد إلى خيارك الأصعب، و أن تزرع في صحارى الشوك وردة و في جبال اليأس أملا .
نتذكر رمزنا الخالد ياسر عرفات الآن أكثر، نتذكره و هو يحمل العبء على كتفيه و يصعد الجبل العالي، ويعبر الدروب الوعرة، و لا تلين له همة، و يعرف أن ما نطلبه كبير جدا، و مقدس جدا، و هو جعل فلسطين دولة مستقلة عاصمتها القدس ولملمة هوية مبعثرة في أرجاء الدنيا، لتحتشد من جديد في حضور ساطع .
و إنها لمعجزة، أنه في ذكرى الغياب، يتواصل الحضور، فها هو عهدك يا ياسر عرفات يتم الوفاء به، و ها هو وعدك يصدق، و ها هو حلمك يقترب و يقترب حتى نكاد نلامسه بأيدينا، و خليفتك الذي يقود المسيرة، الرئيس أبو مازن، مثل الجبال الشوامخ، يحمل الأمانة و لا يشكوا برغم وعورة الطريق، ورغم كثرة الكمائن المنصوبة في الظلال المعتمة .
نحن لن نفقد الأمل , نحن لن نحترف البكاء، قضيتنا بكل ما فيها من عدل و صدق و استحقاق، تحفزنا دائما إلى احتمال الأصعب و إلى رؤية الأبعد، إذا كيف يمكن أن يظل شعبا مشتتا هكذا بدون كيان و لا دولة و لا عنوان .
و في ذكراك يا سيد الشهداء أبو عمار، في ذكراك نكتشف كم أنت على حق، و كم أن حياتك التي وهبتها لحضور فلسطين من جديد، هي التي ترسم لنا وعدنا القادم لك المجد في ذكراك, وألف تحية لروحك التي تتوهج في سمواتنا، تستحثنا أن المسيرة المجيدة أوشكت أن تصل إلى الهدف، فواصلوا العزيمة و الأمل .
Yhya_rabahpress@yahoo.com
Yhya_rabahpress@hotmail.com