الوطن هو البديل- فؤاد ابو حجلة
في المحيط العربي حساسية من نوع خاص إزاء الفلسطينيين، وفي الدول العربية يلعب الفلسطيني دور "المتهم المناوب" الجاهز لتحمل مسؤولية أي جريمة لم يقم بها ولا علاقة له بمن نفذها.
كنا نرى ذلك في مواقف الحكومات والأنظمة التي كانت ولا تزال تعلق فشلها وهزائمها على المشجب الفلسطيني، وتبرر قمعها لشعوبها وفساد سياساتها بتفرغها لمواجهة المشروع الصهيوني. وكنا نلحظ حرص هذه الأنظمة على اختيار "أكباش فدائها" من الفلسطينيين المقيمين على أراضيها، وقد ألفنا لغة التهديد والوعيد التي ميزت الخطاب الرسمي العربي في تعاطيه معنا، وخاصة حين لا تفلح الضغوط السياسية والمالية في توجيه قرارنا السياسي بما يرضي النظام العربي.
واجهنا هذه التعبئة بالصبر وقابلنا هذه الكراهية بالحب، وظلت منظمة التحرير الفلسطينية مكونا أساسيا وفاعلا في كل أطر العمل العربي المشترك، بل إن المنظمة لعبت دورا مؤثرا في تحقيق المصالحات بين الأنظمة العربية المختلفة، وساهمت في تبريد المواجهات السياسية بين العواصم العربية المتضادة انطلاقا من الإدراك الفلسطيني للحاجة إلى موقف عربي موحد في تبني الحد الأدنى لمطالبنا ودعم نضالنا الوطني المشروع.
ظل هذا حالنا حتى جاء الربيع الذي فاجأ الأنظمة المتهالكة، واستبشرنا به خيرا حتى استطاعت الولايات المتحدة السطو على نتائجه وتجيير التغيير لصالح قوى مرتبطة بالمشروع الاميركي وهو مشروع قائم على استعداء الفلسطيني وتجاهل حقوقه، فانتقلت مفردات الكراهية من قصور الحكم الى ساحات المعارضة وميادينها، وصار الفلسطيني الذي كان متهما بالعمل ضد سياسات الدول متهما بالتواطؤ مع الأنظمة والعمل ضد مشاريع التغيير الديمقراطي!
ورثت الشوارع العربية المعارضة خطاب الأنظمة البائدة والأنظمة التي تجهد للحفاظ على بقائها، وانتقلت مفردات التهديد والوعيد من وزراء الداخلية السابقين إلى من خلفهم في حكومات الثورات والى الرموز المصنعة في زعامات في هذه الثورات، ولم يجد هؤلاء المعارضون وسيلة لتنفيس كبتهم الا باتهام الفلسطيني وتهديده.. وشتمه أيضا بعد تحميله مسؤولية خراب البلاد وعذاب العباد.
رأينا ذلك في تصريحات كثيرة لبعض الموتورين في عمان والقاهرة وبيروت والكويت وبغداد، وكانت الثيمة الموحدة في هذا الخطاب الموتور هي التحذير من خطر الفلسطيني الساعي الى إقامة وطن بديل في أراضي دول الجوار.
ورغم نفي هذا الاتهام الجائر رسميا، ورغم إجماع الفلسطينيين في الوطن وفي المهاجر العربية القريبة وفي المهاجر البعيدة على رفض أي بديل لفلسطين وطنا وملاذا وهوية، الا أن هذا الخطاب ما زال قائما والاتهامات متواصلة والتعبئة مستمرة، حيث يواصل الموتورون العرب اتهام الفلسطينيين بالسعي الى وطن بديل في الأردن أو في سيناء المصرية أو في مخيمات لبنان أو في مخيم اليرموك في سوريا!
بصراحة، مللنا هذه الاتهامات البائسة ونعتقد بوجوب الرد بحسم وحزم على هذا التطاول على قدسية الموقف الجمعي الفلسطيني الذي يعتبر الوطن بديلا وحيدا لأي مشروع آخر.