الاستقلال المؤجل والدولة غير العضو- جهاد حرب
قبل ربع قرن أعلن الفلسطينيون وثيقة الاستقلال آنذاك كان حدثا كبيرا؛ قيل حينها أن الخامس عشر من تشرين ثاني من العام 1988 يمثل حدثا تاريخيا له ما بعده أي بمعنى آخر تحول جذري في الفكر السياسي الفلسطيني، فمن ناحية جاء الاعلان انسجاما مع مطالب الانتفاضة الأولى وفي أوج قوتها وأتون أحداثها، ومن جهة ثانية ردا على اعلان فك الارتباط وربما استكمالا له. لكنها أيضا جاءت لترسم الحدود السياسية والحدود الجغرافية لدولة فلسطين.
توالت الاعترافات بالدولة الفلسطينية المعلنة في وثيقة الاستقلال؛ ففي أقل من عام حصد الفلسطينيون مائة اعتراف أو يزيد. حينها كان المعسكر الاشتراكي ما زال ماثلا صديقا، على حد قولهم فهم لا يرغبون بكلمة الحليف على عكس الامبريالية الغربية. وتتدفق في شرايين حركة دول عدم الانحياز الحياة، والدول العربية والإسلامية منبهرة بانتفاضة الحجارة وإبداعاتها.
جرت في الاربعة والعشرين عاما مياه كثيرة في نهر الشرق الأوسط؛ احتل العراق الكويت وانقسم العرب إثرها فَقَدَ الفلسطينيون الخليج العربي الداعم الاقتصادي الأكبر سواء ماليا لمنظمة التحرير الفلسطينية أو ملاذا للعمالة الفلسطينية، وكذلك خسر قوة العراق المساند.
وفي ضيق الحال واشتداد الضغوط، انخرط الفلسطينيون في محادثات سياسية مع الحكومة الاسرائيلية في العام 1991 بدأت في مدريد علنية وانتقلت بعد عام إلى أوسلو سرية. أنجبت فيما أنجبت المرحلة الانتقالية بحكمها وظروفها وشروطها وبحسناتها وكذلك سيئاتها. لكن المرحلة الانتقالية باتت دائمة فمن خمس سنوات إلى أكثر من ثمانية عشر عاما حتى الآن.
تهيأ في ربع القرن ثلاث فرص للتقدم في النضال الفلسطيني وتكريس الدولة الفلسطينية سياسيا ودبلوماسيا وورسم للحدود الجغرافية، الأولى عام 1989 عندما قدم الفلسطينيون طلبا لرفع مكانة منظمة التحرير الفلسطينية في هيئة الامم المتحدة، حينها اقتصر على تغيير الاسم إلى "فلسطين" مع بعض الامتيازات لها بناء على نصائح ووعود امريكية. والثانية عام 1999 مع انتهاء الفترة "القانونية" للمرحلة الانتقالية لكن الفلسطينيون أضاعوا الفرصة أيضا نتيجة ضغوط أمريكية آنذاك ووعد بالدخول في محادثات سلام جدية لإنهاء الصراع الأمر الذي لم يتحقق؛ فالادارة الأمريكية لم تكن وسيطا نزيها هدفه انهاء الصراع بل همه الاهتمام في العملية "process " على حساب السلام.
اليوم؛ الفلسطينيون على موعد لانجاز تاريخي في تغيير "تعديل" قواعد اللعبة السياسية، من خلال ترفيع مكانة فلسطين من كيان إلى دولة غير عضو في هيئة الأمم المتحدة، لإحداث تغيير في طبيعة المفاوضات، ومنح القدرة للفلسطينيين على استخدام أدوات الامم المتحدة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. في المقابل لن يتغير شيء على الأرض في اليوم التالي لانتزاع قرار الجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة، لكن المهم التقدم إلى الأمام وعدم الارتهان لوعود أمريكية وغيرها دون فرض حقائق سياسية، وان كنا عاجزين عن فرض حقائق على الارض.