توازن الرعب - عادل عبد الرحمن
لم تكن تتوقع حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة ردة فعل اسرائيلية كبيرة نتيجة تقدير خاطىء في قراءة الموقف الاسرائيلي ، وايضا للمبالغة في حساب تأثيرات الدور العربي وخاصة المصري في لجم النزعات الاسرائيلية.
ووفق المعلومات الراشحة عن حركتي حماس والجهاد ، فإن قياداتها فوجئت بردة الفعل الاسرائيلية، وعبرت عن ذلك بما اعلنه ناطقوها الاعلاميون ، من ان اسرائيل قامت بعملية تضليل لهم من خلال المعلومات، التي وصلتهم من بعض الاطراف العربية وخاصة المصرية، مما سمح لقيادات حركة حماس الاطمئنان والتحرك بحرية ،مطمئنة لما وصلها من معلومات، بان اسرائيل ليست بوارد التصعيد، وان لديها الرغبة بتثبيت الهدنة . غير انها (اسرائيل) استغلت ذلك لإغتيال الشهيد احمد الجعبري ومرافقه محمد الهمص، فضلا عن اصابة العديد من قادة كتائب القسام منهم : رائد العطار ومروان عيسى. وسقوط العديد من الشهداء من كوادر القسام. اضافة الى تدمير الجزء الاكبر من قواعد اطلاق صواريخ "فجر" ومخازن الصواريخ، وتدمير العديد من المقرات في محافظات الجنوب من رح حتى بيت حانون.
رغم المفاجأة وشدة الصدمة الاولى، التي اصابت قيادة حركة حماس تحديدا نتاج استهداف الجعبري وقياداتها العسكرية والسياسية، إلآ ان كتائب القسام وسرايا القدس (الذراع العسكري للجهاد) وكتائب ابو علي مصطفة وكتائب المقاومة الوطنية والوية الناصر صلاح الدين والجماعات الجهادية الاخرى، تمكنت من التقاط انفاسها والرد بما تبقى لديها من صواريخ، لاسيما وان صواريخ الغراد ، والصواريخ المصنوعة محليا بعيدة المدى (التي يصل مداها الى 85 كم ) لم تصب باذى. واصابت الصواريخ الفلسطينية قلب تل ابيب لاول مرة ، كما وصلت بالامس الى القدس الشرقية وتحديدا في مستوطنة غوش عتسيون، التي تبعد 75 كم عن القطاع. واطلقت صفارات الانذار في كل من تل ابيب والقدس وبئر السبع والمستوطنات المحيطة بمحافظات غزة الشمالية والجنوبية والشرقية ، وتم ايقاع اربعة قتلى اسرائيليين وعدد آخر من الجرحى مضافا لحالة الهلع ، التي اصابت سكان المدن والمستوطنات المحاذية للقطاع وتعطيل الحياة بداخلها، والتأثير المباشر على حركة الطيران من والى مطار بن غوريون، ووقوع خسائر مادية في المباني.
كما ان فصائل المقاومة وخاصة كتائب القسام ، اعلنت انها اسقطت طائرة بدون طيار، والبعض اضاف سقوط طائرة حربية، لكن اسرائيل لم تؤكد هذه المعلومات. وبغض النظر إن سقطت الطائرات او لم تسقط، فان رد المقاومة بالصواريخ على العمق الاسرائيلي بشكل غير مسبوق منذ (21) عاما خلت، اي منذ حرب الخليج الثانية عام 1991، رغم التحليق المكثف للطيران الاسرائيلي الحربي والاستطلاعي المترافق مع شن العشرات لا بل المئات من الغارات الحربية، ووجود اربعة مناطيط محملة بكاميرات دقيقة لمراقبة الارض في محافظات غزة .
القيادة الاسرائيلية فوجئت ايضا بوجود صواريخ محلية بعيدة المدى، كما تفاجئت بوصول الصواريخ الى تل ابيب والقدس، وكذا من ارادة الرد غير المسبوقة حيث اطلقت اذرع المقاومة المختلفة مئات الصواريخ منذ بداية العدوان الاسرائيلي. وهو ما يدلل على ان ارادة المواجهة والتحدي عالية جدا من قبل فصائل المقاومة.
بالتأكيد موازين القوى تميل لصالح دولة اسرائيل، لا مجال لافتراض غير ذلك، لكن رغم الاختلال الفاضح لموازين القوى لصالح دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، إلا ان ما حققتة الفصائل الوطنية احدث شكلا من اشكال توازن الرعب بين اسرائيل وفصائل العمل الوطني.
ما تقدم، لا يعني ان التوازن القائم الان، يمكن ان يستمر طويلا، لاسيما وان امكانيات وقدرات الفصائل التسليحية محدودة قياسا بما لدى جيش العدوان الاسرائيلي، كما ان العديد من مخازن الاسلحة تعرضت للقصف ودمرت، الامر ، الذي يفرض حث الخطى لتثبيت هدنة اكثر صمودا من الهدن المجانية السابقة، لحماية ابناء الشعب الفلسطيني في محافظات القطاع. إلا ان المؤشرات المنبعثة من التطورات الجارية، فان القيادة الاسرائيلية لا تقبل باي هدنة، تظهر فصائل المقاومة وكانها ند لها. لان هكذا استنتاج سيعكس نفسه مباشرة على حملة إئتلاف "الليكود بيتنا" بزعامة نتنياهو –ليبرمان الانتخابية، وستؤثر سلبا على نتائج التصويت وثقة الجمهور الاسرائيلي في المناطق التي تعرضت للقصف ،كما ستهز مكانة وصورة ايهود بارك، وزير الدفاع، الذي يعتبر من اهم العسكريين الاسرائيليين. وبالتالي فإن الامور تتجه لمزيد من التصعيد العسكري الاسرائيلي، وتحقيق انتصار معنوي لنتنياهو وليبرمان وباراك وباقي جوقة الائتلاف اليميني المتطرف، هذا ان لم تنتقل العملية العسكرية (عامود الدخان او السحاب ) الى اجتياح واسع لمدن وقرى القطاع لتحقيق الاهداف الاسرائيلية المعلنة .
التطورات الجارية على ارض القطاع تملي على القيادة، التي اجتمعت بالامس برئاسة الرئيس ابو مازن، بعد ان القى كلمة قصيرة في مقر المقاطعة برام الله، المزيد من التحرك على كل الجبهات والمنابر للضغط على العرب والمسلمين والدول والاقطاب الدولية والامم المتحدة لوقف العدوان الاسرائيلي وقطع الطريق على اهدافه الاجرامية. وفي السياق تفرض الضرورة ارسال وفد قيادي من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح لمحافظات القطاع لتحمل المسؤولية الوطنية في ادارة المعركة، ودفع عملية المصالحة للامام، ولعل ما اعلنه الرئيس عباس من ايفاد وزير الخارجية الدكتور رياض المالكي مع عدد من وزراء الخارجية العرب يشكل المدخل الطبيعي للخطوة المشار لها آنفا. ولقطع الطريق على الحسابات الفئوية لحركة الاخوان المسلمين وانصارها.
a.a.alrhman@gmail.com