غزة: معادلة تخسر فيها طهران؟- علي حمادة
منذ الساعات الاولى للعدوان الاسرائيلي على غزة، كان واضحاً ان القيادة الاسرائيلية ولا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رمت من خلال اغتيال المسؤول العسكري لكتائب القسام فيما كانت تتفاوض مع المصريين لهدنة طويلة مع غزة، الى تعزيز فرص اليمين في الانتخابات المزمعة بعد شهرين ونيف، كما انها رمت الى ترميم القدرة الردعية الاسرائيلية، وفي الوقت عينه الى اجراء تمرين بالنار على نظام "القبة الحديد" الذي بني لحماية اسرائيل من صواريخ "حزب الله" في المواجهة المقبلة متى حصلت. وبالرغم من الضربات التي وجهها الطيران الاسرائيلي الى غزة، بدا أن الحكومة الاسرائيلية لن تتلقى اي دعم من الغرب لاستكمال عملياتها بغزو بري، وخصوصاً انه لا ينهي مشكلة صواريخ "حماس" والتنظيمات الأخرى، ولا ينهي سلطتها، بل انها ستخرج معززة من المواجهة. ولذلك كله بدت المعركة الديبلوماسية اهم من المعركة على الارض، وان العمل الجدي ليس ما يحصل على الارض بل ما يدور في الغرف المغلقة. وهذا ما يفسر حركة الاتصالات الجدية بين القيادة المصرية والاسرائيليين التي بلغت مراحل متقدمة، ان طرفي الصراع اتفقا على بنود الحل، ولكنهما يختلفان على التنفيذ والاطار الزمني.
اسرائيل لا تريد الغرق في رمال غزة، هي تبحث عن حل طويل الامد يقيها هجمات صاروخية على قراها ومدنها، متزامناً مع ضوابط لواردات السلاح الى غزة، وهي لا تمانع ان تتحمل "حماس" مسؤولية السلاح الصاروخي كله.
من جهتها، فإن "حماس" لا تكتفي بالتفاوض مع الاسرائيليين عبر الوسيط المصري بدعمه، بل انها تستخدم العدوان الأخير الذي دفعت فيه الثمن الاكبر عبر اغتيال مسؤولها العسكري الاول، للي اذرعة الفصائل المنفلتة من كل رقابة وضوابط مثل "الجهاد الاسلامي" الذي لا يزال جزءاً من المنظومة الايرانية، ويملك قدرات عسكرية وصاروخية قادرة على تهديد مطلق اي هدنة. وفي هذا المجال فإن "حماس" في خضم التحولات الكبرى التي جعلت مصر حليفاً اساسيا لها، ومع انتقالها الى المحور العربي، ماضية في الضغط على التنظيمات التي تعمل وفق الأجندة الايرانية، وربما لها مصلحة في اشعال جبهة اقليمية جديدة تحرف الانظار عن المسرح السوري، او تخفف الضغط عليه. لذا توقع المراقبون ان يكون من بين نتائج العدوان والاتفاق على هدنة طويلة، اندفاع "حماس" الى مزيد من الضبط العسكري والامني لغزة.
اذا، ربما نحن أمام معادلة جديدة ترتسم: عودة مصر بقوة الى غزة، مع عودة "حماس" الى الحاضنة العربية، وهدنة طويلة مع اسرائيل مع تشدد حمساوي لضبط البندقية الفلسطينية في غزة. ومن هذه المعادلة يمكن ان يخرج الجميع رابحين: "حماس" ومصر واسرائيل بـ"الستاتيكو". اما الخاسر الأكبر فيمكن ان تكون طهران التي ستتقلص هوامشها أكثر اذا ما حصل الاتفاق.
عن "النهار" اللبنانية