الاسرائيليون يكذبون على أنفسهم والعرب يكذبون علينا
أتابع كغيري تفاصيل العدوان الاسرائيلي على غزة وردود الفعل على هذا العدوان الذي يتعامل معه الرسميون العرب ببرود واضح ولا تستحي الرجعيات العربية الحاكمة من إغفالها له بل التزامها العملي بالموقف الاميركي المنحاز دائما للعدو.
وأرصد مثل غيري مواقف المنابر الاعلامية العربية التي تعبر عن مواقف رعاتها في التصعيد أو التبريد للمواجهة التي تكسر سياق تعميم الخنوع.
في الأيام الماضية تقدم الخبر الفلسطيني على الخبر السوري على شاشات العرب الفضائية التي تحترف الترويج لشياطين العرب المعاصرين. والتزمت الفضائيات الكبرى بما درجت عليه من لغة تقدم كل شيء الا الحقيقة، فمنها من واصل التهريج والتضخيم بمفردات شبيهة بالهتافات الغاضبة في المظاهرات، ومنها من واصل تخنيث المشهد والمساواة بين القاتل الاسرائيلي والضحية الفلسطيني تحت غطاء الموضوعية والمهنية المزعومة.
فضائية كبيرة روجت للفعل الرسمي العربي الذي تقوده أنظمة الربيع وكأن هذه الأنظمة ستحرر غزة وكل فلسطين، وأخرى قدمت الخطاب الاميركي والغربي والرجعي العربي الذي يتعامل مع العدوان على غزة وكأنه حادث سير في السويد. وفي الحالتين كان الخطاب منفرا، وإن حاول بعض الصحفيين العاملين في الفضائيتين تقديم خطاب محترم كان يقطعه مذيعو ومذيعات الاستوديو بتعليمات فورية من مديري الأخبار. وكنت أشعر أحيانا بالقهر والغضب الذي ينتاب بعض المراسلين إزاء سياسات قنواتهم وخاصة تلك الزميلة الرائعة في غزة حين لم تستطع أن تسمي ضحايانا قتلى وخرجت عن نص واسلوب ومفردات الفضائية التي تعمل فيها لتنطق بالتسمية المحرمة في تلك الفضائية وتردد كلمة «الشهداء» في كل تقاريرها الحية.
ولعل من المفيد هنا التذكير بتجاوز القناة المعنية لاسلوبها وموضوعيتها المدعاة في تغطيتها لأخبار سورية حيث تسمي الجيش السوري «جيش الأسد» وهو بالطبع ليس جيشا للأسد كما أن المنشقين عنه لا ينبغي أن يكونوا جيشا لأوباما.
في الواقع كان الاعلام العربي وما يزال يكذب علينا. ويبدو أن الكذب صار حرفة للاعلام الاسرائيلي أيضا حين يخاطب متلقيه من الاسرائيليين الباحثين عن طمأنينة غير ممكنة للمجتمع الاحتلالي، فقد ضخمت وسائل الاعلام الاسرائيلية امكانيات اسرائيل في الحصاد العسكري والسياسي من خلال العدوان على غزة، كما قدمت هذه المنابر الاسرائيلية صورة مزيفة وكاذبة لرد الفعل العالمي على هذه الجريمة لتوحي ان المجتمعات الغربية تنسجم مع سياسات حكوماتها في تأييد العدوان وهو ادعاء مجاف للواقع.
صباح أمس شاهدت تقريرا معادا لمراسل القناة الثانية للتلفزيون الاسرائيلي في لندن يؤكد فيه أن الشارع البريطاني متفهم للموقف الاسرائيلي ومؤيد للهجوم على غزة، وقد تضمن التقرير لقطات من مظاهرة صغيرة لم يتجاوز عدد المشاركِين فيها مائة وخمسين شخصا يحملون الأعلام الاسرائيلية ويهتفون ضد «الارهاب الفلسطيني» وكانوا يقفون في أحد شوارع العاصمة البريطانية.
كانت المظاهرة صغيرة جدا ولم يشارك فيها مواطنون بريطانيون بل ضمت عددا من الاسرائيليين الزائرين للندن وبعض حملة الجنسية المزدوجة، ولم ينتبه اليها احد باستثناء التلفزيون الاسرائيلي وبعض القنوات التلفزيونية البريطانية ذات التوجه الاسرائيلي، بينما شهد محيط السفارة الاسرائيلية في لندن يوم السبت الماضي مظاهرة كبيرة ضد العدوان الاسرائيلي تجاوز عدد المشاركين فيها ألفين من البريطانيين والعرب الغاضبين ولم يشر اليها تلفزيون اسرائيل والمحطات الصديقة لاسرائيل في بريطانيا.
في هذه المواجهة يواصل العرب الكذب علينا ويواصل الاسرائيليون الكذب على أنفسهم.. ويستمر التشابه بين اسرائيل والنظام العربي في السياسة وفي الاعلام أيضا.