فلسطين الخاسر الأكبر!- راجح الخوري
لم يكن في وسع بنيامين نتنياهو الذي ناكف باراك اوباما ويريد استرضاءه الموافقة على اعلان اي اتفاق في غزة قبل وصول هيلاري كلينتون لتتوج التفاهم تحت "قبّتها الديبلوماسية". ورغم ان اوباما كان قد حض محمد مرسي ورجب طيب اردوغان هاتفياً على التدخل لوقف التصعيد لم يكن التوقيع ممكناً في غياب "الختم" الاميركي.
تعقد المؤتمرات الصحافية عادة بعد المحادثات، لكن كلينتون تعمّدت التصريح قبل اجتماعها مع نتنياهو لتنشر "قبة صخرية" فوق "القبة الحديد" بالقول: "ان التزام اميركا أمن اسرائيل ثابت كالصخر لا يتزحزح". لكن اللعبة الاميركية - الاسرائيلية الخبيثة لم تتوقف هنا بل وصلت الى توسيع "القبّة التقسيمية" لتعميق الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة والدفع في اتجاه ترسيخ ما سعت اليه تل أبيب دائماً، اي تصوير الفلسطينيين كيانين منفصلين ومتخاصمين بعد استيلاء "حماس" على القطاع عام 2006.
بدا ذلك واضحاً منذ اتصل اوباما بمرسي واردوغان طالباً التدخل لدى "حماس" لوقف الصواريخ وترتيب حل معها من دون الاشارة من قريب او بعيد الى السلطة في رام الله، وهو ما يشكل اعترافاً ضمنياً وتكريساً موضوعياً لـ"الاسلام السياسي الفلسطيني" كشريك معتمد في التفاوض والاتفاق، وبما يتلاءم مع المسار السياسي الاميركي الجديد الذي يبارك "الاخوان المسلمين" بديلاً من الانظمة التي ادارتها واشنطن في الماضي.
وبدا ذلك واضحاً من خلال المساعي التي تقودها "مصر الاخوانية" في حضور رمزي للجامعة العربية ومشاركة هامشية للسلطة الفلسطينية التي رافق وزير خارجيتها زملاءه العرب الى غزة وكأنه مجرد زائر وليس من أرباب البيت، رغم حرص صائب عريقات على حفظ ما تبقى من الصورة بالقول "ان الزيارات تتم بالتنسيق مع السلطة" ورغم كل تصريحات الرئيس محمود عباس وصراخه لوقف العدوان "على أهلنا في غزة"، لكن خطوطه الهاتفية على الاقل ظلت باردة، في وقت صعق الكثيرون امام كلمات والأصح زلاّت تحدثت عن "شعب غزة " ولكأن القطاع من خارج رحم فلسطين!
صحيح ان كلينتون تعمدت زيارة "ابو مازن" قبل الانتقال الى القاهرة، لكن بالتأكيد لمحاولة ثنيه عن الذهاب الى الامم المتحدة لطلب العضوية لفلسطين، وربما رداً على ما كتبته "النيويورك تايمس" محذّرة من "ان حماس تكتسب الشرعية مقابل فقدان السلطة الفلسطينية لها". لكن يبقى ان عناصر الاتفاق في غزة تتضمن مكاسب للجميع باستثناء هذه السلطة، فاميركا كسبت التزام "مصر الاخوانية" الاتفاقات والادوار الامتصاصية المعروفة، ومصر كسبت استرجاع الدور الاقليمي، واسرائيل كسبت تدمير ما تبقى من غزة ورسوخ العلاقة مع مصر كضامنة للهدوء، و"حماس" ترسّخ سلطة شريك مضارب للسلطة ولو بثمن باهظ جداً... اما فلسطين فهي كالعادة الخاسر الأكبر!
عن صحيفة "النهار" اللبنانية