الرؤية الفتحاوية للمقاومة والمصالحة-عدلي صادق
لسنا معنيين بالتقليل من شأن الأداء الفلسطيني المقاوم، في مواجهة العدوان. صحيح إن خسائرنا في الأرواح تزيد نحو 35 مرة عن خسائر المعتدين، وأن الدمار في الأبنية الحكومية والخاصة، في جانبنا؛ يزيد أكثر من ألف مرة، وأن الألم النفسي الذي شعرنا به، لاستشهاد عدد كبير من الأطفال والنساء، فضلاً عن ألمنا لاستشهاد المقاومين؛ لم يذق ولم يألم بمقدار ذرة من مثله، جمهور المستوطنين. لكن الصحيح أيضاً، أن طبائع هذا المحتل الغاشم، مسكونة بالإجرام، وفي تاريخ صراعنا معه، لطالما تعرضنا للقتل وللتدمير، دون قذائف صاروخية جوابية!
* * *
الآن، لكل فلسطيني، الحق في رؤية النتيجة التي انتهى اليها هذا العدوان مثلما يريد. المهم أن نذهب الى استحقاقات الوحدة الوطنية على وجه السرعة، ولعل من بين الحقائق التي لا نتحرج من الإشارة اليها؛ أن الخصومة التي بدأت على أساس أن هناك مقاومة مفتوحة، متاحة لمقاومينا، مثلما يرى فريق منا، بينما يرى الفريق الآخر، أن المقاومة بالنيران لا تزال غير متاحة؛ (هذه الخصومة) فقدت أصل أسبابها وفروعها. إن أقل شيء يجب أن يستخلصه الحمساويون، هو كون قولنا المبكر، بأن المقاومة المفتوحة بالنيران، لم تكن نابعة من نكران لحقنا في المقاومة من حيث المبدأ، ولم تكن مظهر خيانة، مثلما ردد التخوينيون. فها نحن بعد نحو عشر سنوات، من فقداننا لإمكانية الوحدة الحقيقية في الرؤية الوطنية مع استراتيجية قائمة على أساسها؛ نبتهج بصيغة اتفاق للهدنة، وقّع عليه قادة «حماس» و»الجهاد» يصف النيران حين يطلقها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، بأنها «أعمال عدائية» يتعين على الطرف المسؤول، في كل جانب، أن يمنعها ويُلزم سواه بالامتناع عنها. فماذا تبقى لكي نختلف عليه؟ إن اختلف معنا الحمساويون، على فرضية «التنسيق الأمني» فنحن سنؤيدهم، لأن «التنسيق الأمني» شائن ولا يليق بسلطة وليدة حركة وطنية عريقة. ولكن لنجلس معاً، لكي نحدد ما هو «التنسيق الأمني» الذي يتحدث عنه الطرف الحمساوي. إذا كان هو إبلاغ المحتلين معلومات عن ناشطين مقاومين، فنحن كفتحاويين نرفضه وندينه، شرط أن يدلنا أحدٌ عليه. هناك تنسيق أمني، ورد في تطبيقات اتفاق أوسلو لإعلان المبادئ، هدفه منع الاحتلال من التدخل في مناطق السيطرة الأمنية بذريعة أن لديه معلومات عن عملية وشيكة. فحوى التنسيق آنذاك، تضمن أن يبلغ الجانب الإسرائيلي الجانب الفلسطيني بمعلوماته، لكي تقوم قوة الأمن الفلسطينية بأخذ المقتضى الذي يمنع العملية توخياً للاستمرار في مسار التسوية وصولاً الى الحل الدائم. أي شىء غير ذلك، كان آنذاك مرفوضاً. اليوم، الضفة محتلة بالكامل، والمحتلون يتوغلون بأنفسهم، ولا معنى للتنسيق الأمني بصيغته تلك!
* * *
متفقون بشكل عام، على مشروع الدولة في الأراضي المحتلة في العام 67 بما فيها القدس الشرقية. متفقون على حل عادل لقضية اللاجئين وفق قرارات الأمم المتحدة. ومثلما قلنا مراراً، إن موضوع اللاجئين، يتعلق بحقوق فردية لا تملك أية سلطة حق التنازل عنها.
كنا وما زلنا نرى، أن قضيتنا من النوع الذي يتطلب سيرورة تاريخية، ويتطلب يقظة وتضحيات أمة، ومساراً طويلاً، في الاتجاه المضاد، للمسار الذي قطعته أعتى حركة سياسية عنصرية استيطانية في التاريخ وأكثرها دهاء وتنظيماً في العالم، وهي الحركة الصهيونية. ولكي نكون في طليعة الأمة على هذا المسار؛ ينبغي أولاً أن نستجمع اشتاتنا ونبني المجتمع على أسس وطنية ونتحقق على الأرض ونحتفظ بالأمنيات ونحفظ مُدركات القضية عن ظهر قلب. وهذه غايات سامية، لا تتيحها لنا، الآن، وفي ظل اختلال ميزان القوى وبنظام إقليمي ودولي غير مواتٍ، الحرب بالنيران!
كنا نتمنى أن تكون لغة الأخ خالد مشعل في مؤتمره الصحفي ليلة الإعلان عن وقف النار؛ سياسية أكثر مما كانت تعبوية. فالمصالحة، في حديثه، كانت على أساس برنامج المقاومة ومن خندقها، ونحن على الأقل، نراها عاجلة وضرورية على أساس «برنامج الهدنة» وبرامج أخرى عديدة لا تُغفل حقنا في المقاومة من حيث المبدأ. ومن جانبنا، ليس منطقياً، إسقاط الحق في المقاومة، لكن العمل السياسي والنضال الشعبي، والتحقق الوطني على الأرض، باتت كلها أولويات متاحة، يمكننا أن نصمد بها، في وجه رياح عاتية، وفي مواجهة عدائية مجنونة ومنفلتة، من جانب القوى العنصرية المتطرفة، التي تستهدفنا بشراسة إن قاومنا، وتستهدفنا كذلك بشراسة، إن مضينا في خط السياسية توخياً لحل متوازن. والأمريكيون ما زالوا متمسكين بدعم إسرائيل حتى ولو كان يحكمها مجانين.
على هذا الأساس، تتطلع «فتح» رائدة الثورة، الى مصالحة على قاعدة استراتيجية عمل وطني واحدة، تصل بنا الى محطة إنجاز حقيقي!
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com