أمن إسرائيل يكتمل بعد "هدنة غزة- اميل خوري
ماذا حققت إسرائيل من أهداف حروبها مع العرب والفلسطينيين مدى سنوات، وماذا حقق العرب والفلسطينيون من اهداف حروبهم مع اسرائيل؟
سفير سابق للبنان ردّ على هذا السؤال بالقول إن اسرائيل حققت هدنات مفتوحة تارة على حرب جديدة وطوراً على هدنات لتضمن لنفسها الأمن الذي يدفع الجميع ثمن اضطرابه وانهياره، وتتهرب من السلام الذي تدفع وحدها ثمنه بانسحاب كامل من الاراضي التي تحتلها. وقد بدأت اسرائيل تحقق أمن حدودها عندما عقدت اتفاقي سلام مع مصر ثم مع الاردن، وحققت أمن حدودها مع سوريا عند عقد اتفاق فك الاشتباك في الجولان وقد صار احترامه احتراماً تاماً، ثم حققت أمن حدودها الشمالية مع لبنان عندما صدر القرار 1701 وتوقفت بموجبه الاعمال العسكرية تنفيذاً لأحد بنوده، وأكملت أمن حدودها بعقد هدنة بعد حرب غزة الأخيرة.
وهكذا تكون إسرائيل قد اهتمت بتحقيق الامن قبل تحقيق السلام خلافاً لما يريده العرب والفلسطينيون اذ ان تحقيق السلام يعيد اليهم حقوقهم المشروعة ويجعل الأمن ثابتاً ودائماً داخل حدود كل دولة في المنطقة ولا يبقى أمنا غير ثابت تحققه هدنات موقتة.
أما العرب والفلسطينيون فلم يحققوا من اهداف حروبهم مع اسرائيل سوى جعل الدولة العبرية تنعم بالامن والهدوء داخل حدودها وتتحمل اقل منهم بكثير خسائر بشرية ومادية من جراء هذه الحروب، والالتهاء بمفاوضات سلام طويلة باتت مملة وعبثية تتوقف تارة بشروط ثم تعاود بشروط جديدة، والسبب الاساسي هو الخلاف على حدود الانسحاب من الاراضي المحتلة. وهذا الانسحاب لم يتحقق حتى الآن بالوسائل السلمية أي بالمفاوضات او بوعود الولايات المتحدة الاميركية وتعاقب الرؤساء فيها. وكان حل الدولتين هو آخر هذه الوعود التي لم يف بها الرئيس باراك اوباما في مستهل ولايته الأولى ولا احد يعرف ما اذا كان سيفي بها في ولايته الثانية.
ولا يزال بعض العرب والفلسطينيين يؤمنون بالمفاوضات سبيلا لاستعادة حقوقهم المشروعة توصلا الى عقد اتفاق سلام شامل وعادل في المنطقة لأنهم غير متفقين على اعتماد الحرب وسيلة لاستعادة هذه الحقوق وعلى اساس ان ما اخذ بالقوة لا يستعاد الا بالقوة. والسبب ان اعتماد الحرب على اسرائيل يتطلب اتفاقا عربيا على وضع استراتيجية مشتركة لها واحدة موحدة، وهو ما لم يتم التوصل اليه وذلك لاختلاف في الرؤية وللانقسامات القائمة بين عدد من الدول العربية، الامر الذي مكن اسرائيل من عقد اتفاقات سلام منفردة مع كل من مصر والاردن، وهي اتفاقات وإن لم تحقق سلاماً حاراً بل بارداً، فقد أخرجتهما من الدخول في اي حرب عربية ضدها، وهو ما تريده اسرائيل. ثم عادت الخلافات والانقسامات بين العرب وبين الفلسطينيين لتتيح لاسرائيل تحقيق الامن على حدودها مع سوريا، ثم على حدودها الشمالية مع لبنان بعدما ظلت مضطربة لسنوات من جراء العمليات الفدائية الفلسطينية التي كانت تنطلق من جنوبه، وقد تولى الجيش السوري عند دخوله لبنان لوقف الاقتتال فيه، اخراج المسلحين الفلسطينيين مع رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات من لبنان الى تونس. لكن المقاومة الاسلامية بقيادة "حزب الله" استطاعت في ما بعد تحرير جزء كبير من الاراضي اللبنانية التي تحتلها اسرائيل تنفيذاً للقرار 425 الذي رفضت اسرائيل تنفيذه، وظل ما تبقى من الاراضي في الجنوب محتلاً وهي: مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجزء من قرية الغجر، سببا لاستمرار نشاط المقاومة الى ان كانت حرب تموز 2006 التي انتهت بصدور القرار 1701 عن مجلس الامن. وقد تم تنفيذ البند المتعلق بوقف الاعمال العسكرية بين اسرائيل و"حزب الله" فساد الهدوء على الحدود الجنوبية مع اسرائيل منذ تاريخ صدور هذا القرار وحتى الآن، ولم يبق سوى حدود اسرائيل مع قطاع غزة هي المضطربة، فكانت حرب غزة التي قد لا تكون الاخيرة والتي انتهت بهدنة اكملت حلقة الامن لكل حدود اسرائيل مع الدول المحيطة بها.
وتسعى اسرائيل الى ان تجعل الهدنات القائمة بينها وبين العرب والفلسطينيين دائمة لأن ما يهمها هو الامن اولا، اما السلام فليست مستعجلة عليه، وفي الانتظار تكون قد رسمت حدود دولتها النهائية ببناء مزيد من المستوطنات واستكمال تهويد القدس.
لذلك، على العرب والفلسطينيين ان يقرروا الوسيلة الناجعة لاستعادة حقوقهم المشروعة، إما بالعودة الى مفاوضات قد تطول ليتحقق السلام الشامل في المنطقة، وإما بالحرب التي لا اتفاق عليها بينهم خصوصا في الظرف الراهن الذي تنشغل فيه دول عربية بربيع لم يزهر بعد وبثورات لم تستقر وبأنظمة مهددة بالسقوط.
عن "النهار" اللبنانية