دولة ... فلسطين - عادل عبد الرحمن
حصد مشروع القرار الفلسطيني لرفع مكانة فلسطين في الامم المتحدة لدولة مراقب دعم (138) دولة ، و(9) دول ضد، و(41) دولة ممتنعة. نجحت الديبلوماسية الفلسطينية برئاسة الرئيس عباس في معركتها ضد سياسة ارهاب الدولة الاسرائيلية المنظم وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية.
مضى الرئيس ابو مازن غير عابىء بالتهديدات المختلفة، التي وجهت له مباشرة او بطريق غير مباشر، وحقق مع اركان القيادة الفلسطينية فوزا مميزا في الامم المتحدة ليل اول امس، عندما انتزع شهادة ولادة ثانية للدولة الفلسطينية بعد خمسة وستين عاما على شهادة الميلاد الاولى.
ما استوقف المراقب، ليس عدد الدول المؤيدة لمشروع القرار الفلسطيني – العربي، لان المرء كان يتوقع تأييدا اعلى يصل ل (150) دولة . كما لم تستوقفه الدول التسع الرافضة مشروع القرار العربي، لانها معروفة سلفا، بالاضافة لاسرائيل، اميركا وميكرونيزيا وجزر لا احد يعرف ماذا تمثل في الخارطة الجيوبوليتكية سوى انها دمى بيد الادارات الاميركية، وطبعا كندا التي لا تحيد عن سياسة راعي البقر الاميركي. لكن الذي استوقفني عدد من الدول المتحفظة، منها بريطانيا والمانيا ودول اوروبا الشرقية، التي لكل منها خلفية خاصة .
مشكلة فلسطين وشعبها مع بريطانيا ليست جديدة، لانها تمتد منذ زمن الانتداب، الذي تكرس بعد الحرب العالمية الاولى واتفاقية سايكس بيكو البريطانية – الفرنسية 1916، التي قسمت الدول العربية، ثم وعد بلفور، وزير خارجية بريطانيا العظمى للحركة الصهيونية باقامة "وطن قومي" لليهود في فلسطين في الثاني من نوفمبر 1917، وتلا ذلك السياسات البريطانية المسهلة والمؤصلة للمشروع الصهيوني الكولونيالي الاجلائي والاحلالي على حساب الشعب العربي الفلسطيني.
بريطانيا، التي ارتكبت ابشع الجرائم بحق حرية واستقلال وتقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني، والتي ناصبت الفلسطينيين والعرب العداء، كان الاجدر بها ، ان تلتقط اللحظة السياسية الجديدة لتكفر عن بعض ذنوبها، وتصوت بشكل اوتوماتيكي لصالح اي قرار اممي يدعم حقوق الشعب الفلسطيني! لكنها (انجلترا) أبت إلا ان تواصل مسيرتها العدوانية ضد مصالح الشعب الفلسطيني، فإمتنعت عن التصويت. وهذا معيب بحق بريطانيا وما ارتكبته من جرائم سياسية وقانونية واخلاقية. الامر الذي يستدعي من القيادة والشعب الفلسطيني مناصبة بريطانيا الموقف بالمثل.
والمانيا لم يكن موقفها اقل بؤسا وانحرافا تجاه مصالح الشعب الفلسطيني. ليس للشعب العربي الفلسطيني ذنبا بما ارتكبته المانيا الهتلرية تجاه اليهود الالمان والاوروبيين. ولا يجوز للعقدة الالمانية تجاه "الهولوكوست" ان تبقى سيفا على رأس الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية. بل ان مسؤلية المانيا،التي ساهمت بقسط اساسي الى جانب بريطانيا وباقي اقطاب اوروبا في زرع المشروع الصهيوني على الارض الفلسطينية، الانحياز الايجابي لاعادة الاعتبار للحقوق الوطنية الفلسطينية، التي استباحتها اسرائيل بدعم من الولايات المتحدة ودول الغرب الاوروبي. ولكن المانيا ارتضت، ان تبقى في المستنقع البريطاني – الاميركي وطبعا الاسرائيلي.
المشكلة، إن جاز تسمية ذلك مشكلة في عملية التصويت لصالح مشروع القرار الفلسطيني، تمثلت في امتناع دول اوروبا الشرقية (بلغاريا، رومانيا، المجر، الجبل الاسود، سلوفينيا، سلوفاكيا، البوسنة والهرسك، بولندا،لاتفيا، مولدافيا ومقدونيا .. الخ) عن التصويت. هذه الدول جميعها لفلسطين سفارات فيها، ناجم عن اعتراف سابق بحكم العلاقات التاريخية بين قيادات الدول زمن منظومة الدول الاشتراكية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
هذه الدول لم تتعظ من مواقف فرنسا وايطاليا واسبانيا وبلجيكا والبرتغال واليونان وغيرها من الدول الاوروبية الغربية، بل بقيت اسيرة عقدة التبعية للولايات المتحدة، فإرتضت ان تكون تابعة لا مقررة في رسم سياساتها الوطنية. مع ان المرء كان يتوقع ان تكون منسجمة مع سياساتها التاريخية، لانها تعلم علم اليقين ان الشعب العربي الفلسطيني مظلوم تاريخيا، وآن له ان يستعيد بعض مكانته وحقوقه المسلوبه منذ العام 1948. غير انها (دول اوروبا الشرقية) بقيت اسيرة عقدة النقص الملازمة لها. ومازالت تبحث عن استعطاف واسترضاء الولايات المتحدة واسرائيل ، لذا خالفت سياساتها التاريخية، وناقضت اعترافها بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967. وهذا موقف غير مقبول وسلبي، ولا ينسجم مع طبيعة العلاقات التاريخية بينها وبين القيادة والشعب الفلسطيني.
رغم مواقف هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وكندا فإن دولة فلسطين باتت راسخة وموجودة في الامم المتحدة، ولها مقعد الدولة 194. وحصدت ما يزيد عن الثلثين من الاعضاء من الدول الاعضاء في الامم المتحدة . وباءت سياسة الدول المعادية الضد والمتحفظة بالفشل والهزيمة. انتصرت فلسطين .. وهزمت اميركا واسرائيل وبريطانيا والمانيا ودول اوروبا الشرقية ، التي رخصت مكانتها وباعت سيادتها للسيد الاميركي والصهيوني، مع ان مصالحها مع العرب وفلسطين في المقدمة.
a.a.alrhman@gmail.com