فلسطين دولة مراقب ، وماذا بعد - د. طريف عاشور
أحسن السيد الرئيس أبو مازن صنعا عندما ضرب بعرض الحائط كافة الضغوطات الدولية وللأسف الكثير منها العربية ، ممن نصحوه بتأجيل التوجه للأمم المتحدة بل حتى إلغاؤه ، وظهر ذلك جليا باستنكاف وزراء الخارجية العرب من حضور الجلسة التاريخية بنيويورك، حيث وجّهت دعوات لوزراء خارجية اثنتان وعشرون دولة عربية لحضور هذا اليوم التاريخي لإعلان الدولة ، لكن احد منهم لم يحضر ولم يلب الدعوة سوى وزيرا خارجية تركيا واندونيسيا ، وتوج ذلك الصمود الأسطوري باعتماد فلسطين دولة كعضو مراقب في المنظومة الأممية بتصويت نحو 73% من دول العالم وما يفوق خمسة مليارات ونصف من سكان المعمورة ، مما اعتبر انحيازا عالميا لحقوق شعبنا التاريخية التي عمدها شعبنا بالدماء واستثمرتها القيادة الفلسطينية بكل ذكاء ، وضربة قاصمة للاحتلال الإسرائيلي ومن يدعمه .
لكن وفور التصويت ، برز السؤال التالي : وماذا بعد ، ليجهد المحللون كل على حسب فهمه للقرار وللقانون الدولي بتفسيره ، بل أن المندوب الإسرائيلي كان الأسبق عندما أعلن بما معناه أن القرار حبر على ورق ، وعلى النقيض حاول العديد من المحللين والمسؤولين الفلسطينيين اعتباره النصر المؤزر .
أمام هذا وذاك يبقى القول الفصل للقيادة الفلسطينية ، تلك التي نجحت سابقا في استصدار قرار من محكمة العدل الدولية في تموز 2004 ، هذا القرار الذي لم يترك مجالاً للشك بأن الجدار الذي أقامته إسرائيل في أراضينا الفلسطينية المحتلة غير قانوني، بل ويستوجب إزالته وتفكيكه ، وبأن جميع الادعاءات التي قدمتها إسرائيل لتبرير بناء الجدار غير قانونية وغير منطقية ولا ترتكز على أي أساس قانوني ومنذ ذلك الوقت لا يزال القرار حبيس الأدراج ولم يفعل على الأرض .
مطلوب اليوم من القيادة الفلسطينية ، خلوة كتلك التي قام بها الدكتور سلام فياض ووزراءه في تموز عام 2009 بمدينة أريحا ، لكن اليوم مطلوب خلوة قانونية ، تشريعية ، سياسية ، تعمل على استقطاب كافة الخبراء الدوليين والعرب بكافة التخصصات، وطرح الأمور بشموليتها على الطاولة ، أين نحن والى أين نتجه ، ماذا كنا والى أين وصلنا بهذا القرار ، هل أن القرار سوف يطلق اليد للحكومة المتغطرسة بتل أبيب بأسعار الاستيطان كما فعلت صباح يوم إصدار القرار الاممي بتبنيها قرار لبناء 3000 وحدة استيطانية في القدس ، أم انه سوف يستخدم بالطريقة المناسبة التي سوف تحد من الاستيطان وتعمل على تفكيكه انتهاء بالدولة المستقلة ذات السيادة .
كل تلك الأسئلة وغيرها من استفسارات سيادية لا تزال تدور في خلد كل مواطن فلسطيني سواء هنا في الداخل أو في الخارج ، أسئلة باتت بحاجة إلى إجابات وتوضيحات ، لا اجتهادات يقدمها بعض المسؤولين دون اخذ الرأي القانوني من خبراء لعبتهم السياسة الدولية ، تلك التي كنا نجهل بها يوم أن قال شمعون بيرس الذي كان وزيرا لخارجية إسرائيل أبان أوسلو " كنا نتفاوض مع أنفسنا " إلى الجهد الجبار الذي قامت به دائرة المفاوضات في منظمة التحرير والتي أصحبت تضم خيرة شبابنا وكوادرنا من شتى إنحاء العالم ، وتقف للمفاوض الإسرائيلي بالمرصاد .
مطلوب من قيادتنا استثمار حالة النهوض التي أصابت الجمهور المحبط ، تلك التي لن تدوم أكثر من أيام إذا ما أحسنت ترجمتها على ارض الواقع ، ووضعت ذلك الرجل البسيط الذي احضر زوجته وأبناءه إلى احد ميادين فلسطين في عز البرد ليلة إعلان القرار كي يحتفل بالانجاز ، وضعته أولا بأول في طريقة التفكير والاستثمار لهكذا قرار ، قرار نأمل أن يكون القاعدة الصلبة لفلسطين الدولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة ، الحرة ذات الحدود المعترف بها وبدون مستوطن واحد على أرضها .