الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حواجز نابلس    لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتاريخهم    شهداء في قصف الاحتلال منازل مواطنين في مدينة غزة    3 شهداء و10 مصابين في قصف الاحتلال شقة غرب غزة    الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين    فتح منطقة الشهيد عز الدين القسام الأولى والثانية إقليم جنين تستنكر قتل خارجين على القانون مواطنة داخل المدينة    استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله  

نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله

الآن

اعتراف عالمي بفلسطين واحدة وليس اثنتين!- مطاع صفدي


عضوية شعبٍ أو أمةٍ في هيئة الأمم المتحدة لا تقتصر على الاعتراف بالكيان الدبلوماسي لدولة قائمة أو أنها في طريقها إلى الوجود. أنها العضوية التي تمنح شرعية هذا الشعب شكلها الإنساني والعالمي في وقت واحد.
فالشعب الفلسطيني لم يكن يحتاج إلى هذه العضوية قبل أن يكتسب حريته الكاملة، ويفرض سيادته على وطنه كأرضٍ مشبعة بوقائع تاريخه الماضية والحاضرة، وحاملة لتطلعات كيانه المستقبلي القادم كذلك. لن تكون هذه العضوية الناقصة في هيئة الأمم هي البرهان على أحقّية العدالة بمفهومها الدبلوماسي فحسب. فقد اكتسب الشعب الفلسطيني عضويته الفذّة والنادرة في نوعها من خلال معاني القضية التي استطاعت أن تحفظ له وجوداً حقّانياً في مختلف المسائل الحدّية لثقافة الحضارة والحرية طيلة عقودٍ من تحولات العصر الراهن، ولو لم تتحقق هذه الثروة المعنوية الكبرى من وقائع النضال كقضية كبرى، لما كان ما يُسمّى بالمجتمع الدولي قد تنبّه لها. وأكثر من ذلك، فإن هذا المجتمع كان عليه أن يعاني نوعاً من تبكيت ضميره بعد أن تناسى طويلاً إحدى أكبر الظلامات المتمادية في تاريخ البشرية المعاصر، لما بعد الحرب العالمية الثانية. إذ جرى تقتيل شعب كامل عقوداً متوالية تحت سمع وبصر العالم أجمع.
فالدبلوماسية الدولية، هذه السلطة الدولية لم تكتف بالموافقة على سلب وطن لشعب، بل غضّت الطرف عن متابعة تقتيله وتشريده بعد سلبه وطنه وتاريخه. كانت دائماً إلى جانب المعتدي، وضد المعتدى عليه. لم تكن تعبأ مرةً بفجائع الضحايا، بل كان همها التغطية على فاعلي الشر الكبار، والتيهان في غابة المسوغات اللفظوية التي يتقنها فصحاء الاستبداد من زعماء الغرب وأبواقهم، فيما يشبه حرباً كونية ثالثة صامتة، كيما يُباد شعبُ فلسطين وتمضي معه ذاكرته بعد أن سُلب منه وطنه.
في هذه الجلسة التاريخية حقاً للأمم المتحدة، لم تكن إسرائيل وحدها هي الخاسرة العلنية لقضاياها الملفّقة، بل كانت أمريكا راعيتها تنطق من خلال لسان وزيرة خارجيتها من دون خجل أو حياء، لتعلن معارضتها مسوغةً هذه المرة كذلك باللغة الخشبية عينها، تعبيراً أيضاً وأمام الملأ الأممي عن مطابقة عجيبة لفكر الغرب مع الأسطورة التوراتية بصياغتها الصهيونية المعروفة.
لكن كان التصفيق الحاد، المتواصل من غالبية ممثلي العالم لمولد فلسطين، كافياً وحده لإغراق أعداء العدالة بالخجل، وإن لم يعترفوا به. فهذه الجلسة الفريدة للجمعية العامة أعادت التذكير بكونها جمعية للشعوب، وليس للدول فحسب. بالمقابل كان المندوب الإسرائيلي مدافعاً عن شرعية دولته كما لو أنه يعترف بأن مولد الدولة الفلسطينية هي بداية انهيار دولته بفقدانها شرعيتها الزائفة. كان يؤبّن مأتم هذه الشرعية المختلقة من خلال تكرار أساطير (بني قومه) كأنهم ما زالوا موجودين، أو محنطين مقدماً قبل آلاف السنين. هذه الحجة العجيبة التي حاولت أن تكذب كل عقلانية النصف الثاني من القرن العشرين إلى أيامنا هذه، في حين أن الشعب الفلسطيني استطاع أن يحفظ شرعية وجوده وهو فاقد لمعظم تراب وطنه. وكان له أن يكتسب التصديق واليقين لتلك الشرعية من قبل مجتمعات الإنسانية الحرّة. وهذه الشرعية الحقيقية، هي التي فرضت نفسها أخيراً وكان لها أن تفوز ببعض حقها مع إعلان هذه العضوية المنقوصة إجرائياً، لكنها المفعمة بمعانيها الأخلاقية العظمى، فلم تُعطَ لفلسطين كمنحة، بل كأقل واجبٍ كوني، لكنه كاشف مجدداً عما كان يعنيه طغيان جحافل الكذب الدبلوماسي، لعشرات السنوات.
فلْنَصِفْ هذه الواقعةَ الاستثنائية أنها أشبه بيقظة وجدان الإنسانية النائم، والغافي عن نصرة الحق مهما كان واضحاً ومفجوعاً وبديهياً. بمعنى أن الفوز بالعضوية الناقصة هذه قد يفوق تقديرُها الأخلاقي جدواها السياسية المباشرة. هذا التقدير لا بدّ أن يبلغ حدّ اعتباره نصراً أخلاقياً، لم يكن ليُثمر حقيقته الراهنة، لو لم يُثبت الشعب الفلسطيني قدرته اللامتناهية في أن يشتق ضداً على كارثته، كلَّ ذخيرة فعلية لتغذية ديمومة واقعية لحقّه المهضوم.
قوة النضال الفلسطيني كانت هي قوة الصبر والصمود التي أحبطت كل رهان على مبدأ نسيان الحق زمانياً. فالجريمة الكبرى لا يُبلي أثرَها الزمنُ إن كان ضحاياها قادرين على الدفاع عن حقهم بكل الوسائل المشروعة، أي بأسلحة الفضيلة عينها. هكذا يحصل الشعب المكافح على استحقاق نضاله الذي يُغذي ذخيرة القوة المعنوية. فقد فازت فلسطين بالاعتراف القانوني لاستحقاق دولتها، فهي الباقية بأصالة شرعيتها بعد كل هزيمة آنية طارئة، خلال محنتها المتمادية مع المشروع الصهيوني، الذي ما كان، ولن يكون هو إلا حدثاً طارئاً مهما أوحى لذاته بالتجذّر والاستمرار.
والسؤال اليوم: ماذا سيفعل شعب فلسطين برأسماله هذا الجديد من النصر الأخلاقي المُثبت بتسجيل عالمي. لا شك أن هذا الشعب الذي كان مهدداً بتفرقته هباءً منثورا بين استقطابات سياسية انتهازية، أو شبه عقائدية ناشبة أظافرها في جسده الديموغرافي وحتى الكياني، هو أول من يهمه هذا السؤال، ذلك أن مجتمعه المدني لم تفارقه وحدته الإنسانية قبل السياسية في مختلف ظروف التبعثر السياسوي والديموغرافي والجغرافي الذي أصاب قممه العليا من قادته. هذه الوحدة التي اكتسبت قوةً إضافية من نصرها الأخلاقي، ثم الدبلوماسي، لا بدّ أن تفرض نفسها على الخارطة التجزيئية المفتعلة التي كادت أن تفتك بمصير (القضية) إلى حدٍّ يتجاوز الكارثة الدائمة مع الإسرائيليين.
هذه التفرقة المشؤومة، آن لها أن تنحسر أشباحها المريبة من مسرح الحياة اليومية لفلسطين، ما فوق الحدود الثانية التي دعمتها هذه التفرقة ما بين أجزاء البقية الباقية من فلسطين التاريخية.
ليس من هدف جديد يستحق كل التعبئة الوجدانية والعملية أكثر من عودة الشعب إلى وحدته كيما يُعطي للنصر الدبلوماسي الراهن كلَّ محتواه الثوري المنتظر. فلم تعد فلسطين محاصرةً وراء خطوط دفاعها عن بقاياها، وليس من مصلحةٍ لأحد في استمرار الاستقطاب الانقسامي سوى للمستفيدين الانتهازيين، والمتمسكين بمنافعهم الذاتية الضيقة.
فقد أثبت الاعتراف الأممي بالشخصية المعنوية لفلسطين، أنها متمتعة بالهوية الموحدة أصلاً. فإذا كان العالم أصبح ينظر إلى فلسطين ككيانٍ قائمٍ من خلال شعبها الواحد، وإن لم يمتلك ترابَ وطنه كاملاً. فكيف لهذا الشعب أن يظلّ قابلاً بقسمة مفروضة عليه من داخله ومن بعض فئاته، إن لم يستطع أن يعيد لذاته وحدته الوطنية أولاً كقائدة لمسيرته، وإلا فإنه سوف يخسر ما تبقّى له من قاعدة أرضية يعيش فوقها. إسرائيل المصابة بالهزيمة العالمية المدوية لن تتخلى عن مشروعها، بل ستضاعف من كل قواها من أجل إحباط أية نتائج عملية يمكن للقضية أن تستثمرها بعد فوزها بعضويتها الدولية.
هنالك سباقٌ وحشي مخيف ينتظر الفريقين بكل الوسائل والامكانات. فماذا سوف تُعِدّ النُخب الفلسطينية الحقيقية من خطط لاستثمار نصرها المبدئي، خاصة في مواجهة الحقد الإسرائيلي المتجدد. فلسطين اليوم محتاجة أكثر من أي وقت آخر إلى دعم وحدتهما المجتمعية، بالتضامن السياسي المتكامل بين جميع مكوناتها، شرط أن تتابع الفرز بين تلك المكونات الأصلية والمستمرة وتلك الدخيلة والطارئة، والتي نمت وترعرعت في ظل التدهور الإنفصالي المستمر خلال السنوات الأخيرة خاصة.
إنها الوحدة التي تشكل المدخل الوحيد والحاسم لمستقبل آخر، طالما حلمت به أجيال القضية، من الروّاد منذ انطلاق كفاحها.
هذه القضية ستتحمل مسؤولية من نوعٍ نادر تجاه الوجدان الإنساني الشامل الذي فتح لها أبواب الكفاح، وجعلها فاعلة على المستوى الدولي بما يناظر كفاحها على مستوى أصالتها الواقعية، وقدرتها على ابتكار ودعم مخططات القيام بعوامل تجدد النهضة الثورية التي آمنت بمبادئها، وكادت أن تضيع مصادرها وأهدافها عبر التشتت والنكسات من الدرجة الثانية والثالثة طيلة ماضيها الحديث.
فاعتماد عوامل الوحدة أولاً في هذه المرحلة هي الكفيلة باستعادة نهضة حقيقية للقضية المنسية. إنها الطريق الضائع بالأمس ولكنه الواضح والقوي اليوم. فقد أصبحت أبوابه مفتوحة على مصراعيها أمام قافلة العمل الجاد والدؤوب والمنظم، لاستعادة هدف المسيرة نحو فلسطين التاريخية بمعانيها الأصلية الدائمة، إنطلاقاً من استعادة أخلاقية الثورة ما فوق سمسرة السياسة الفاشلة.
  مفكر عربي مقيم في باريس
عن "القدس العربي"

 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025