دولة فلسطين مرحلة جديدة - صلاح صبحية
ما زال الحديث عن المصالحة الوطنية الفلسطينية بعد قبولنا دولة مراقب في الأمم المتحدة هو الحديث ذاته ما قبل ذلك ، الحديث عن شروط ، والحديث عن وساطة بين حركتي " فتح " وحماس ، وكأنّ نتائج الهجمة العسكرية الصهيونية على جنوب فلسطين ، والحصول على مقعد المراقب في الأمم المتحدة لدولة فلسطين ، لم يعلمنا شيء ، ولم ينقلنا نقلة نوعية في التعامل الفلسطيني الداخلي ، فكيف نحقق إنجازاً عسكرياً وإنجازاً سياسياً ولا نجعلهما قفزة نوعية نحو مستقبل فلسطيني أفضل ، هل يعود ذلك إلى عدم فهمنا لما أنجزناه ، وعدم قدرتنا على صياغة مرحلة نضالية جديدة ، أم يعود إلى تمسكنا بواقع الماضي ، هذا الواقع الذي انتهى بما أنجزنا ، فيتجدد الحديث عن مصالحة كما كنا نتحدث عنها قبل كل الذي أنجزناه .
لم يعد مقبولاً منا أن نتحدث عن المصالحة الفلسطينية بذات المفهوم السابق ، فالإنجاز العسكري والسياسي لا يمكن أن نسميه انتصاراً لنا إذا كنا مصرّين للتكلم فيما بيننا بذات اللغة السابقة ، فالتحول من وضع السلطة إلى وضع الدولة يرتّب علينا مسؤوليات جسام ، من أهمها تخطي الحالة التي كانت سائدة سياسياً وجغرافياً ، فلم يعد مبرراً وجود السلطة ، ولم يعد مبرراً استمرار مؤسسات السلطة ، ولم يعد مبرراً وجود حكومة السلطة ، ولا مجلسها التشريعي ، ولا مبرر لوجود رئيس السلطة ، وإذا كانت السلطة – التي هي بالأساس مرحلية – قد انتهت في اللحظة التي صوّت لنا في الجمعية العامة 138 دولة بقبولنا دولة مراقب فيها ، وإذا كان الانقسام قد حدث في ظل وجود السلطة ، وقد انتهت السلطة اليوم كمرحلة نضالية انتقالية ، فلم يعد وجود الانقسام مبرراً تحت أي عنوان من العناوين ، كما أنه بالأساس لم يكن مبرراً حدوثه في ظل مرحلة السلطة السابقة ، فكيف نبقي أنفسنا في مرحلة ماضية أصبحت خلف ظهرنا وجزءاً من تاريخنا النضالي ، وكيف لا نقبل أنفسنا كدولة وقد قبلنا الآخرون كدولة . فالوضع في ظل دولة فلسطين المرحلة الجديدة من نضالنا يتطلب منا عملاً جديداً ، مؤسسات جديدة هي مؤسسات الدولة وليست مؤسسات السلطة ، مجلس تشريعي جديد هو مجلس الدولة وليس مجلس السلطة ، حكومة جديدة هي حكومة الدولة وليست حكومة السلطة ، رئيس جديد هو رئيس الدولة وليس رئيس السلطة ، وأجهزة أمن جديدة هي أجهزة أمن الدولة وليست أجهزة أمن السلطة ، كما أنّ الوضع الجديد لنا يتطلب منا تغيير العنوان من عنوان السلطة الوطنية الفلسطينية إلى عنوان دولة فلسطين ، وإنّ كان العنوان الأشمل والأعمّ لشعبنا هو منظمة التحرير الفلسطينية ، فإذا كنا مؤمنين جميعاً بما أنجزنا عسكرياً وسياسياً ، فلنؤمن بمتطلبات هذا الإنجاز التاريخي ، ونتعامل مع متطلباته لنحقق انتصاراً حقيقياً وليس انتصاراً وهمياً .
فعلى أية طاولة سنجلس فلسطينياً ، إذا كانت حكومة رام الله قد انتهت مهمتها ، وإذا كانت الحكومة المقالة في غزة قد انتهى دروها في الانقسام ، ما الذي نريد أن نُعيد إليه اللحمة ، وقد عادت اللحمة إلينا بعد ما أنجزناه عسكرياً وسياسياً ، فمن قبـِل من الشعب الفلسطيني بوضعنا الجديد كدولة ، والجميع قد قبل بذلك ، فليتعامل الجميع بما أملاه عليه قبوله للوضع الفلسطيني الجديد ، وليجلس الجميع على طاولة منظمة التحرير الفلسطينية من أجل العمل على بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال ، وهذا الجلوس ليس بحاجة إلى وساطة مصرية ، بل هو بحاجة إلى دعوة من قبل السيد أبو مازن بكونه رئيس دولة فلسطين إلى كافة الفصائل والقوى والفعاليات الفلسطينية للجلوس معاً ، ليس لبحث ما هو منتهي ، وإنما لبحث متطلبات المرحلة القادمة ، فالمسؤولية أهم من وضع شروط لاستحقاقات فصائلية ، فالشروط المطلوبة فلسطينياً هي شروط تحقيق العنوان الجديد لنا ، شروط دولة فلسطين التي أصبحت بديلاً شرعياً للسلطة الوطنية الفلسطينية .