الاعتراف خطوة لا نهاية مطاف- هاشم عبدالعزيز
هل انتهت تداعيات النكبة؟ أو أن الكيان الصهيوني استنزف عوامل صعوده؟ هذا ما تطرحه التطورات المتسارعة وجاءت بنتائج مفاجئة وهي في الإجمال صارت في عنوان زمني: بامتياز شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2012 فلسطيني، ما يعني وضع بداية نهاية لما كان عليه الأمر وفي ذات الشهر، منذ 65 عاماً عرفت بالنكبة، لتصير الأحداث والتطورات الفلسطينية راهناً مفتوحة على النهوض لا لمواجهة الحاضر فقط بل والمستقبل، وهي إجابة صادمة للأحلام الصهيونية بالذهاب بالقضية الفلسطينية إلى متاهات وأنفاق الضياع .
في النظرة العامة إلى ما جرى كانت هناك حقائق فلسطينية عدة: الأولى، الانتصار الذي أحرزته المقاومة الفلسطينية لا في إلجام العدوان على غزة وحسب، بل وإحداث انقلاب في مسار مواجهة العدوان . إذ بعد سنوات الغرور الصهيوني بأن اليد العسكرية الصهيونية طويلة جاءت ردود المقاومة بإطلاق الصواريخ التي طالت “تل أبيب” والقدس وباقي المدن المحتلة وأنزلت قرابة أربعة ملايين “إسرائيلي” إلى الملاجئ، وهو ما لم يشهده هذا الكيان منذ وجوده، ما أسقط أوهام القوة الصهيونية أمام القدرة الفلسطينية، وسيصار منذ الآن عدم القدرة على تجاهل هذه الحقيقة التي عاشها “الإسرائيليون” في ذعر ورعب وخوف على مدى قرابة ثمانية أيام
ثم الانتصار الفلسطيني الدبلوماسي الذي تحقق في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة، إذ نالت تأييد 138 دولة، والمعركة في هذه الجبهة كانت حادة وشرسة إذ استنفر الكيان الصهيوني إمكاناته كافة، واستخدم الوسائل الدبلوماسية والإعلامية والسياسية، ورمت الولايات المتحدة بكامل ثقلها للحيلولة دون ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة والتقى الصهاينة والأمريكان في تهديد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فالصهاينة هددوه شخصياً، أما الولايات المتحدة فهددته عبر وزيرة الخارجية بنهاية مستقبله السياسي .
جاء الاقتراع في مشهد تاريخي لم تحرك أحداً من الحضور العواطف فقط بل المواقف، وخرج الأمريكيون من هذه المعركة بنتيجة بائسة، فهم لم يحصلوا على معارضين للقرار غير سبع دول صغيرة، وهنا كانت الإرادة الفلسطينية التي وضعت نهاية لأوهام غير قليلة ولتبعات الرهان والاسترهان للأمريكان، وبدت الولايات المتحدة في وضع لا يتناسب إلا وانحدار سياستها إلى قعر الانحطاط الأخلاقي وغير الإنساني في أحسن الأحوال .
كذلك، فإن النهوض الوطني الفلسطيني لا في وجه العدوان الصهيوني وحسب، بل ووضع الانقسام السياسي الساقط على الأرض بين الضفة وبين القطاع، فقد تجلى هذا بالتقاء المقاتلين من فصائل المقاومة كافة في خنادق المواجهة ومواقع العمليات، وامتد هذا على كامل الأراضي الفلسطينية، وكان الأبرز انخراط الفعاليات الفلسطينية وفيها فصائل المقاومة ومنها “فتح” و”حماس” في انتفاضة الوحدة الوطنية التي شهدتها الضفة الغربية لنصرة غزة والانتصار للقضية الفلسطينية .
ومما له أهمية أن هذه التطورات كانت حاضرة في الأمم المتحدة التي قامت على إجماع فلسطيني، وكان الأمر مفرحاً للفلسطينيين ومؤلماً ومخيباً للأمريكيين والصهاينة الذين استخدموا الانقسام السياسي الفلسطيني منصة لمشروعات تصب في تصفية القضية الفلسطينية .
السؤال الآن هو ليس عن استثمار هذه التطورات فقط، بل عن الاستمرار في هذا الاتجاه الذي يمثل بداية سليمة لانتقال الفلسطينيين تجاه قضيتهم إلى الأمام؟
بداية، لابد من الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني لن يتقبلا ما جرى، وإذا كان الكيان الصهيوني بادر إلى إيقاف المبالغ المالية الضرائبية بنسبتها المقررة للسلطة وأطلق مشروعات استيطانية جديدة في القدس، فإن الإدارة الأمريكية تعد عدتها لإنقاذ الكيان من سقوطه الدبلوماسي في المعركة التي جرت في الأمم المتحدة وهي سترمي بكامل ثقلها لاستمرار استفرادها بالمنطقة وأزمتها .
ولعل من بين أبرز المهام أمام الفلسطينيين راهناً الآتي:
* أولاً: جعل الاحتفالات بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في مستوى الانتصار الدبلوماسي الذي تحقق، وأن يكون ذلك شاحذاً لهمم الفلسطينيين وإرادتهم بالمضيّ لا لانتزاع الاعتراف الكامل بهذه الدولة فقط، ولكن أيضاً بقيامها على أرض الواقع، وهذا هو المشروع الوطني التاريخي للشعب الفلسطيني الذي يجعل الاعتراف خطوة في بداية الطريق وليس نهاية المطاف .
* ثانياً: أن تصير المقاومة الشعبية الجماهيرية بالتظاهرات والإضرابات والمهرجانات والعصيان المدني متعاظمة، وخاصة في الضفة الغربية، وأن تصير هذه العملية أقرب إلى انتفاضة جديدة في وجه الاحتلال، وأن توجه أهدافها تجاه الاستيطان وحواجز الإذلال وسياسة التهويد التي تجري في القدس .
* ثالثاً: تعزيز الوحدة الوطنية، وهذا يبدأ بتجاوز الانقسام السياسي القائم من خلال إطلاق خطوات توافقية تفاهمية وإجرائية بين حركتي “فتح” و”حماس” وأن ترتبط هذه الخطوات بتوجه إلى عقد مؤتمر وطني شامل يرسي قاعدة التعددية ويستوعب خيار مواجهة العدوان ومقاومة الاحتلال بأشكالها كافة، وإزالة الاستيطان من الأراضي الفلسطينية، وأن يجدد التشديد على جوهرية القضايا وفي الأبرز منها حق العودة والتمسك بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وأن تجري عملية تعرية ما يسمى “الحل الإسرائيلي” الذي يراد منه قطع طريق مسيرة استعادة الحقوق الفلسطينية باللعب على عودة غزة إلى تبعية مصرية والضفة إلى تبعية أردنية، وبما يوفر للاحتلال الحماية والتنصل من مسؤولياته .
* رابعاً: بدء مرحلة جديدة من التعامل السياسي والدبلوماسي تضع نهاية للابتزاز الصهيوني والضغوط الأمريكية، ومن ذلك أن لا عودة إلى المفاوضات من دون شروط آلية ومرجعية وسقف زمني للمفاوضات .
والحذر كل الحذر من الوقوع في الأفخاخ الخادعة، ومن ذلك ما قد يأتي بدور أوروبي على الفلسطينيين لحملهم على التخلي عن قرار الانضمام إلى محكمة جرائم الحرب الدولية لمطاردة مجرمي الحرب الصهاينة بسبب جرائم ارتكبوها ضد الإنسانية، وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني .