خطابان في غزة- فؤاد ابو حجلة
في تصريحات خالد مشعل في غزة روح تصالحية جديدة لم نألفها في الخطاب الحمساوي منذ سنين، ويبدو أن توجها جديدا يتشكل الآن في قيادة حماس على اساس الإدراك الموضوعي لقيمة المصالحة الوطنية ومكاسبها السياسية الجمعية والتنظيمية أيضا.
رأينا بوادر هذا التوجه قبل زيارة مشعل للقطاع وفي موقفه المعلن المؤيد للانجاز الفلسطيني الكبير في الأمم المتحدة، حيث تجاوز مشعل الخطاب الحمساوي القديم المتحفظ إزاء أي انجاز للسلطة الوطنية، وعبر بوضوح لا يقبل الالتباس عن تقديره لجهد الرئيس أبو مازن في هذا السياق.
إنها لغة جديدة ومبشرة بالولوج الى مصالحة وطنية حقيقية تتجاوز ارث الصراع وديماغوجية الخطاب القائم على التحدي والمناكفة، وهي لغة تعكس بشكل واضح تغلب النهج الوطني العقلاني على الرهانات الطائشة لدى بعض رموز الحركة وعلى الخطاب التحريضي الذي يقدمه محمود الزهار وآخرون في حماس مسكونون بهواجس وحسابات تنظيمية ضيقة لا تدرك ولا تريد أن تدرك حقيقة التغير في المشهد الفلسطيني.
إنها استحقاقات الربيع الفلسطيني الذي استوجب الموقف الوطني الموضوعي في البناء على صمود غزة وانتصارها على العدوان الاسرائيلي الأخير كما استوجب في المقابل البناء على الانتصار السياسي للسلطة في الأمم المتحدة. ولعل تتويج هذه اللحظة المبشرة يجيء في الخروج من حالة الصراع الداخلي إلى مساحة الصراع الحقيقي مع العدو الرابض بكل جبروته على حدود الضفة والقطاع.
وربما نرى في هذه اللحظة السياسية تدشينا لجهد تصالحي حقيقي يتجاوز الاعتبارات الصغيرة والحسابات التنظيمية لفتح وحماس ويتحرر من نسق اللقاءات الفاشلة في قاعات الحوار المغلقة ومن الرهانات الفاشلة أيضا على مواقف الأطراف الاقليمية والدولية، ومن حسابات الربح والخسارة، لأن تضييع هذه الفرصة يعني في واقع الأمر خسارة كبرى للجميع.
تقدم فلسطين الآن نموذجا جديدا للربيع، وعلينا أن ننخرط جميعا في تعزيز هذا النموذج الوحدوي لأن شوارعنا في الضفة وفي غزة لا تحتمل الاشتباك الا مع عدو واحد اسمه الاحتلال الاسرائيلي.