الشعبية بعد 45 عاما- عادل عبد الرحمن
تشهد الساحة الفلسطينية هذه الايام موسم احياء ذكرى عدد من الفصائل الوطنية الرئيسية المتزامنة مع ذكرى الانتفاضة. ولكل ولادة رحلة عطاء وتضحيات مسلحة باهداف وغايات، بعضها تحقق ومعظمها مازال ينتظر لعل وعسى تصل القوى لاهدافها إن احسنت المحافظة على البقاء، وتخلصت من أدران الازمات العضوية، التي تنخر هياكلها وسياساتها، وان تمكنت من الالتحام مع نبض الشارع.
اليوم تحل الذكرى ال 45 لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. رحلة طويلة نسبيا في مسيرة الجبهة، التي اسسها الدكتور جورج حبش ونخبة من قيادات حركة القوميين العرب في نهاية العام 1967، في اعقاب هزيمة حزيران / يونيو 67. تمتعت الشعبية بامتدادات جماهيرية واسعة في فلسطين والوطن العربي. وتمكنت من تبوأ المركز الثاني في صفوف منظمة التحرير دون منازع. كما احتلت مكانة ريادية في صفوف اليسار، رغم كل التعقيدات والانشقاقات ، التي خرجت من رحم الجبهة. وقدمت الشعبية نموذج في الكفاح الوطني تميز عن فصائل العمل الفلسطيني الأخرى. فاضافة لريادتها بعض اشكال الكفاح ليس فقط في اختطاف الطائرات، بل وفي معارك الغوار في الضفة وخاصة تجربة الخليل، والانفاق (الخنادق) والرمال المتحركة في غزة، تجربة جيفارا (الشهيد محمد الاسود) فإنها اول من قدم الامين العام للجبهة ، ابو علي مصطفى شهيدا على مذبح الثورة، والامين العام الحالي ، احمد سعدات اسيرا، وكان عبد الرحيم ملوح، نائب الامين العام ايضا اسيراً.
رغم هذا الميراث الوطني، إلآ ان الشعبية لم تتمكن من الحفاظ على مكانتها الريادية في صفوف منظمة التحرير، وتراجعت للخلف كثيرا، فتجاوزتها حركتي حماس والجهاد الاسلامي نتيجة ازمتها المتعددة الاوجه الفكرية – السياسية والتنظيمية والمالية. نجم عن ذلك فقدانها قطاعا واسعا من كوادرها المتميزة وانحسارها على اكثر من مستوى وصعيد. وهذا ناجم عن ضعف مركز القرار، واتساع دائرة التباين بين الاتجهات العقلانية والمتشددة، الامر الذي كرس قيادات غير مؤهلة لادارة واقع الجبهة ،وإخراجها من نفق ازماتها العضوية.
ومع ان الانقلاب الاسود على الشرعية آخذٌ في الانحسار إن صدقت النوايا، وأُقرنت الاقوال بالافعال، التي بشر بها السيد خالد مشعل قبل يومين في غزة، إلا ان الشعبيةتحديدا واليسار عموما، لم يحسنوا إدارة المعركة مع الانقلاب، ولم يقرأوا ابعاده فكريا وسياسيا كما يفترض باي قوة يسارية، وبقيوا مشدودين للتناقض مع حركة فتح، وتصفية الحساب معها. لذا اتخذوا مواقف وسطية باهتة، اطلق عليها سياسة "الصليب الاحمر".
ولو دقق اليسار عموما والشعبية خصوصا في مواقف القوى والنقابات والقضاء المصري ، وكيفية معالجتهم الصراع مع جماعة الاخوان المسلمين والرئيس الاخواني محمد مرسي، لعابوا على انفسهم المواقف ، التي اتخذوها تجاه الانقلاب الاخواني على الشرعية الوطنية. قد يقولوا، ان الواقع المصري مختلف. هذا صحيح هناك اختلاف، ولكن القاسم المشترك للمعارك واحد، لان جماعة الاخوان المسلمين، التي بدأت معركتها في فلسطين ، مازالت تواصلها في الساحات العربية (مصر ، تونس، ليبيا، المغرب وبالضرورة سوريا وقبلها اليمن والسودان والصومال). وكانت غزة والانقلاب فيها على الشرعية الوطنية البروفة الاولى للانقضاض على القوى الوطنية والقومية والديمقراطية وتفتيت مشروع الدولة الوطنية في الوطن العربي من خلال التساوق مع المخطط الاميركي – الاسرائيلي.
لا يسوق المرء عملية النقد لمسيرة اليسار الفلسطيني والشعبية بالتحديد لمجرد النقد والاساءة. العكس صحيح. والدليل ان الواقع الوطني والقومي وما افرزه حتى الان يعكس الحقيقة المشار لها كاستنتاج علمي لاصلة له بالعواطف او المواقف والاسقاطات الذاتية.
ويا حبذا لو ان اليسار والشعبية في مقدمته ، يراجعوا انفسهم، ويعودوا الى جادة الصواب ومواقعهم الفكرية والسياسية، ليعيدوا ترتيب سياساتهم وادواتهم المختلفة للنهوض بالذات اولا، وبالمصالح الوطنية ثانيا. ويعيدوا الاعتبار لليسار، الذي يبدو آخذاً في الانحدار والاضمحلال .. ومع ذلك مبروك للشعبية ذكرى تأسيسها ال 45. مع تمنيات بالافراج عن الرفيق احمد سعدات وكل اسرى الحرية.
a.a.alrhman@gmail.com