“ربما” الأوروبية من أجل فلسطين- آنا بالاسيو
في ليلة الاثنين، قدمت السلطة الفلسطينية مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يقضي في حالة الموافقة عليه بترقية وضع فلسطين من “كيان مراقب” إلى “دولة مراقبة غير عضو” . ومن شأن التصويت الإيجابي على مشروع القرار هذا أن يغير منظور المحادثات الثنائية بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية .
يأتي هذا التصويت بعد أن أطلقت أعمال العنف الأخيرة في غزة ظاهرياً رصاصة الرحمة على أي فرصة واقعية لإجراء مفاوضات مجدية تفضي إلى حل الصراع الذي يظل يشكل المفتاح إلى مستقبل المنطقة بالكامل . وفي هذا السياق، فإن العديد من العوامل سوف تؤثر في قرار الجمعية العامة، وسوف يكون موقف الاتحاد الأوروبي واحداً من أكثر هذه العوامل أهمية .
على الرغم من فشل دول الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى الإجماع على رأي واحد، فإن التصويت الأوروبي لم يعرقل تبني القرار، وهو ما من شأنه أن يجعل فلسطين الدولة الثانية التي تكتسب وضع الدولة المراقبة غير العضو، بعد الفاتيكان .
خلافاً لعملية تقرير العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، فإن الأغلبية البسيطة في الجمعية العامة كافية لمنح وضع الدولة المراقب، من دون الرجوع إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة . ولأن 132 دولة في الأمم المتحدة تعترف بفلسطين بالفعل، فمن المرجح أن يأتي التصويت إيجابياً .
ويستحضر مشروع القرار الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2010 في الجمعية العامة، والذي أعرب فيه عن أمله في “العودة في العام التالي( . . .) ومعه الاتفاق الذي سوف يؤدي إلى التحاق دولة جديدة بعضوية الأمم المتحدة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة” . ولكن على الرغم من كلمات أوباما المؤيدة، أعربت الولايات المتحدة عن معارضتها للطلب الفلسطيني، لأنه من شأنه أن يعطل الوضع الراهن الذي بات مهدداً بالفعل بسبب التوترات المتصاعدة بين إدارة أوباما ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو حول كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني .
والواقع أن اليقين بشأن الفيتو الأمريكي كان سبباً في منع الطلب الفلسطيني الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة من الوصول إلى مجلس الأمن العام الماضي . والآن، ومع اكتساب “حماس” المزيد من الجرأة بعد توقف الأعمال العدائية مؤخراً مع “إسرائيل”، فإن منافسها على دعم الفلسطينيين، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يتقدم على المسار الأقل طموحاً بطلب وضع الدولة المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة .
ونتيجة لهذا فإن مشروع القرار يؤكد أن كل القضايا الرئيسية الحدود، ووضع اللاجئين، والسيطرة على القدس، والأمن، وحقوق المياه، وإطلاق سراح السجناء السياسيين الفلسطينيين سوف يتم التفاوض عليها في مرحلة لاحقة . ولكن حقيقة أن وضع الدولة المراقب غير العضو من شأنه أن يمنح الفلسطينيين القدرة على اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية تثير المخاوف بين الزعماء الأوروبيين .
ومع تحديد موعد التصويت بحيث تزامن مع الذكرى السنوية الخامسة والستين للقرار الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1947 بتقسيم فلسطين، فقد أثارت هذه المسألة الحساسة انزعاج كثيرين بما في ذلك المفوضية الأوروبية ولو أن صوتها جاء مرة أخرى محتجباً بسبب نشاز الدول الأعضاء . فقد أعلنت فرنسا والبرتغال وإسبانيا أخيراً اعتزامها التصويت لمصلحة ترقية وضع فلسطين، في حين عارضت جمهورية التشيك، وامتنعت ألمانيا وبريطانيا عن التصويت، في حين تدعو الولايات المتحدة إلى الاضطلاع “بدور رائد حاسم” في السعي إلى حل للصراع “الإسرائيلي” - الفلسطيني .
لا شك في أن الموافقة على الطلب الفلسطيني تنطوي على مخاطر كبيرة . فهي على سبيل المثال قد تدفع “إسرائيل” إلى النكوص على عقبيها، على أساس أن هذه الموافقة جزء من محاولة لنزع الشرعية عن القضية الصهيونية . وقد تخلق صدعاً بين أوروبا والولايات المتحدة، التي أملت في تجنب العزلة في التصويت . فضلاً عن هذا فإن وضع الدولة المراقب يتناقض مع الواقع على الأرض، حيث لا تسيطر السلطة الفلسطينية فعلياً على الأراضي التي تطالب بها .
ولكن من المنظور الأوروبي، فإن الحجج المؤيدة للطلب الفلسطيني تحمل ثِقَلاً أكبر من الحجج المضادة . فأولاً وقبل كل شيء، يتناقض منع فلسطين من الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية مع القيم الأوروبية ويقوض الدور المعترف به للاتحاد الأوروبي الذي ناضل من أجله بوصفه مدافعاً عن القانون الدولي والمؤسسات المتعددة الأطراف .
فضلاً عن ذلك، فإن التصويت الإيجابي، على خلفية عملية السلام المتعثرة، قد يكون مغيراً لقواعد اللعبة، فيعزز من الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي في دعم المفاوضات والحل الشامل . وهو كفيل أيضاً بتوفير السياق السياسي المطلوب بشدة لجهود بناء دولة فلسطين، التي ناصرتها أوروبا بقوة . والواقع أن الاتحاد الأوروبي، بعيداً عن المساعدات الأوروبية الرسمية التي تتجاوز في مجموعها مليار يورو سنوياً، استثمر بكثافة في التنمية المؤسسية في فلسطين .
وكان الاتحاد الأوروبي حريصاً دوماً على دعم حل الدولتين، على الرغم من الواقع الديموغرافي الذي يشكل تحدياً كبيراً، ناهيك عن ضرورة الحفاظ على هوية “إسرائيل” . إن منح فلسطين وضع الدولة المراقبة من شأنه أن يرفع من على الطاولة حل “الدولة الواحدة”، الذي اكتسب في الآونة الأخيرة زخماً بين الخبراء .
ولكن هذه الأسباب الوجيهة لدعم الطلب الفلسطيني لم تمنع الاتحاد الأوروبي من الوصول إلى حالة التصويت المنقسم، ولن تتردد الأصداء التي قد تترتب على هذا في مختلف أنحاء العالم العربي وتدعو إلى اتهام الاتحاد الأوروبي بالنفاق فحسب، بل إن هذا قد يؤدي أيضاً إلى إعاقة الجهود الأوروبية الرامية إلى إعادة ضبط العلاقات مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا .
التصويت المنقسم يقوض المصالح الأوروبية، ويوجه ضربة قاصمة للسياسة الخارجية الأوروبية في بيئة جيوسياسية بالغة الصعوبة . والواقع أن انقسام الموقف الأوروبي في ما يتصل بالصراع “الإسرائيلي” - الفلسطيني يجسد سجلها الهزيل في تحقيق الإجماع في ما يتصل بالسياسة الخارجية . وهذا يعني بالتالي إهدار أوروبا لفرصة حاسمة لتحويل وضعها من كونها مصدراً للمشكلات المالية العالمية إلى قوة لا يستهان بها في دعم السلام .
*وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة