المصالحة مسؤولية كبرى!- يحيى رباح
نحن أهل المصالحة في كل الفصائل الفلسطينية، الأكثر حرصا عليها، الأكثر وعيا بضرورتها القصوى في سلم الأولويات الوطنية، يجب أن نعلم أن طريق المصالحة ليس سالكا دائما، وأكبر دليل على ذلك أننا سبق لنا أن وقعنا اتفاق مكة، ثم قيل بعد أن احتفلنا به، اننا كنا متسرعين، وبالتالي انهار ذلك الاتفاق العظيم بعد ان كنا قد شكلنا حكومة وحدة وطنية من جميع الأطراف، وبدأنا نعمل، ثم تعثرت الأمور بالطريقة الدراماتيكية التي رأيناها، وواضح أن الأمر كان وراءه تدخلات خارجية من المنطقة، تدخلات مصحوبة برهانات وهمية، وحمقاء، وضيقة الأفق، بحيث وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن .
ها نحن نصعد إلى ضرورة المصالحة من جديد، مستندين إلى حالة عميقة من اكتشاف الذات واكتشاف الواقع الموضوعي المحيط بنا، وسواء تعلق الأمر بالتحديات الخطيرة التي تواجه مشروعنا الوطني، أو الانجازات التي حققناها في صراعنا الميداني والسياسي، فإن الحالتين تفرضان علينا مسؤولية كبرى، لأنه لا يكفي أن نعرف، بل يجب أن تتحول المعرفة إلى حقائق ممكنة، ومعقولة، ومناسبة للزمن السياسي الذي نحن فيه !!! والمفروض أن أهل المصالحة يقع عليهم النصيب الأكبر من المسؤولية، ويقع عليهم الواجب الأكبر في تقديم المبادرات، وفي تجليس هذه المبادرات في واقع الحياة السياسية اليومية .
ما الذي تعلمناه من التجربة القاسية؟
لقد تعلمنا جميعا دون استثناء أن أعداء المصالحة، عبيد الانقسام، وتجاره، لا يتراهنون من تلقاء أنفسهم، بل إن بعضهم يعتبر الانقسام مسألة حياة أو موت ولكننا في فتح وحماس وبقية الكل الوطني، نذكر كيف أننا ولسنوات أصبحنا رهينة في يد الانقسام وتداعياته، وأن بعض المستفيدين من الانقسام كبروا وتضاعفت قوة تأثيرهم وأدخلونا في متاهات كثيرة، فقد فيها الشعب الفلسطيني صورته البهية كصاحب أعدل القضايا في التاريخ الإنساني، حتى لقد خيل لبعض الأغبياء والأدعياء في الائتلاف الإسرائيلي الحالي أن القضية الفلسطينية يمكن أن تشطب من جدول الأعمال العالمي .
و لولا الجهود التي بذلت من أهل المصالحة في كل الفصائل، وهي جهود خارقة لمنع المزيد من التدهور، لتثبيت الحد انتظارا للحظة تاريخية قادمة، لما استطعنا أن نقف الآن على أبواب القدس عاصمة دولتنا المستقلة !!! ولكنا وجدنا مشاريع معادية نائمة في بياتها الشتوي، تنهض من نومها مثل الحيات السامة، لتغرس أنيابها في لحم هذه القضية.
وتذكرون أنني أوليت عناية خاصة في مقالاتي لحالة الوفاق الوطني التي نشأت في أعقاب اتفاق القاهرة في الرابع من مايو عام 2011، وقلت إنه ربما لم تتح الظروف بسرعة لتحقيق مصالحة، ولكن التوافق الوطني هو انجاز بمعنى الكلمة حتى لا نعود ونتقهقر إلى نقطة الصفر .
ودون شك، فإن مرحلة التوافق الوطني التي أفشلت مخططات التقهقر الى الوراء، تعود لشجاعة رجلين بارزين وهما الأخ الرئيس أبو مازن الذي لم يفقد صبره، ولم يهتز يقينه، أما الرجل الثاني فهو الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي امتلك شجاعة التفهم السياسي للمشهد السياسي المحيط بنا، واستطاع أن يبقي على أجواء من التواصل الإيجابي، رغم كل الألغام والأحقاد والأوهام التي في الطريق .
دائما ، في اللحظات الحرجة، الخارقة، عند مفترق الطرق، تظفر المسؤولية، وأهمية الرجال الذين يقدرون المسؤولية، ويقدرون على تحمل أعبائها الثقيلة، ولذلك يجب أن يتضاعف الاهتمام والحذر في هذه الأيام المجيدة حتى لا ينجح المتربصون في إفساد الحفل، أو في قطع الطريق وعودة القافلة إلى الوراء .
المصالحة مسؤولية كبرى، ويجب أن ينهض الرجال المخلصون بكل أعباء هذه المسؤولية مهما كلف الأمر .
Yhya_rabahpress@yahoo.com
Yhya_rabahpress@hotmail.com