إشارات حمساوية محبطة!- عدلي صادق
أجواء التفاؤل بالمصالحة، الشائعة في هذه الأيام، تخللتها بعض الجُمل الحمساوية الاعتراضية التي تحاول إحباطها. ومعلوم أن هناك عناصر لن ترحب بالوئام الفلسطيني، وتحرص على إلباس موقفها الموتور، ثوب السياسة أو القناعات الموضوعية. بعض الملاحظات والتصريحات، تندرج في خانة المماحكة السمجة التي لا لزوم لها، وهي لا تقنع أحداً، بل كأنها أُنتجت خصيصاً لفئة عمرية صغيرة أو يافعة، مثلما هي غاية انتاج شرائط الرسوم المتحركة. فما الداعي ـ مثلاً ـ لعقد مقارنة بين دخول رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الى غزة، ودخول الزعيم الشهيد ياسر عرفات في العام 1994؟ وما هي الفائدة من مقارنة كهذه تستحث جواباً ملائماً للمتذاكي الذي طلع بها؟ فإن كان أخونا «أبو الوليد» الذي نُقدّر، دخل بشفاعة هدنة «النصر» التي تفتح أفقاً لهدنة مديدة، بعد عدوان كانت خسائرنا من جرائه خمسة وثلاثين ضغف خسائر العدو على صعيد الأرواح، ناهيك عن المقدرات والأبنية؛ فنحن لا نقلل من أهمية الصمود الفلسطيني ولا من ردود فعل المقاومة وما بذله الشهداء. لكن أبا عمار فارس الثورة ومفجرها، ذا التاريخ الطويل من اللاهدنات والهدنات، دخل الى غزة منتشياً بالحلم الذي استشهد من أجله. وهو، على الصعيد الشخصي، لم يكن يتوقف على نقطة الحدود، وإنما كان يمر مسرعاً بسيارته، بموجب تفاهمات موصولة بعملية سياسية، ظل يراها على غير ما يراها المحتلون. و»أبو الوليد» هو الآخر دخل بتفاهمات عبر وسطاء، لكي لا يكون في مرمى النيران. وإخواننا من قادة «حركة الجهاد» لم تشملهم التفاهمات، ولو دخلوا لاستهدفهم الاحتلال. فهذا هو واقعنا حتى الآن.
في ذروة انتفاضة الأقصى، عندما كان شارون هو الذي يحكم، كان أبو عمار الشجاع، يطير من رفح، ويعبر من منفذها، دون أن تفارقه احتمالات قصفه إما بإسقاط طائرته أو بتفجير سيارته. ولم تكن لديه تطمينات. لذا نقول إن مثل هذه المقارنات عيب، بخاصة في حق الشهيد ياسر عرفات، رمز الشعب الفلسطيني، الذي بدأ وعاش مقاتلاً وجرب كل الدروب. كنا، نأمل أن نسمع، بدل هذا الكلام السخيف، ما ينم عن استفادة من تجربة قائد ثائر، راهن على كل ذي خطاب طنان، وبلغ تفاؤله، حد القول بسعادة غامرة، إن جبهة القتال تمتد من خراسان الى صور، ثم خذله معسكر الطنين مثلما خذله معسكر الهوان الذين سماهم المفوّه القطري نعاجاً. دخل أبو عمار الى غزة، لهدف مفترض وكان أمامه الأفق الضبابي، واحتضنته كل الجماهير. رأى يومها الخطوة والمحاولة، أفضل من انسداد الحصار العربي على منظمة التحرير بعد حرب الكويت. ولما بات الافق مسدوداً بمعايير الأمنيات، أدار أبو عمار المعركة مع الاحتلال من قلب الوطن، ثم حوصر وأسمعه المحتلون تهديدات جدية بالقتل. لم يطلب خلاصاً فردياً، ولا وساطة لكي ينتقل الى مكان آمن، واختار البقاء في مرمى النيران، وعلى خط السم. استكثر على كل زعامات الزمن الرديء، أن يكون أياً منها شفيعه ومضيفه.
* * *
أوجه الحديث الآن للأخ خالد مشعل: من واجبك، يا أبا الوليد، لكي تظل مقنعاً، أن تلجم هؤلاء الخارجين عن النص التاريخي والوطني، من بين صحبك. لا يغرن هؤلاء هذا الالتباس المروّع في وعي السذج، وأنت تعرف الحقيقة. وليتذكر الجمع الذي عندكم أنهم لم يكونوا مقاتلين مثل ياسر عرفات ولا مثل أيٍ من الذين عاشوا وقاتلوا معه بشرف، فمنهم من قتل ومنهم من ينتظر. فالأمم التي يحاول كل جيل منها، أن يمحو تاريخ الذين سبقوا؛ لن تفلح أبداً، ولن تصل بقضاياها الى مرفأ النصر. ومن لديه احتقان، فليبحث له عن طبابة بغير هذا الكلام الفارغ. من واجبنا جميعاً، أن نركز على الإيجابي الذي يلبي حاجة شعبنا الى وحدة قواه الحيّة، ويذهب بالفلسطينيين الى مستقبل أجمل وأفضل. لنبدأ في التأسيس لثقافة جديدة، لكي يروي الوطنيون تاريخ كفاح الشعب الفلسطيني بلا ترهات، ويعطوا كل ذي حق حقه من الاحترام. عازمون على أن نستهل سياقاً جديداً، يرى فيمن يثرثر بكلام كرتوني معطل لوحدة القوى المناضلة؛ عنصراً مسكوناً بأحقاد وحسابات ذميمة، إن لم يكن موتوراً ويداري عوراته. سعداء نحن بمناخ التفاؤل، وننوّه الى أن ما استجد حتى الآن، ليس أكثر من رفع جزئي لأذى بعضنا لبعضنا. إن كف الأذى كله، هو مجرد توطئة، أما المطلوب وصلب الموضوع، فهو كثير ومتنوع. ونسجل حتى الآن، أن معظم الإشارات الإيجابية، تصدر عن الجانب الفتحاوي، ونطمح الى مثيلاتها من الجانب الحمساوي، ونعد بأن نساند الحمساويين، كلما طالبوا بشيء مُحق. أما الفذلكة والمقارنات التي لا داعي لها، فهي تغضبنا حتى لو كانت صحيحة، فما بالنا وهي «عبيطة» ولا معنى لها!
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com