هدوء المقابر- فؤاد ابو حجلة
من أبلغ ما قرأت على الفيسبوك قول لا أعرف لمن أنسبه يؤكد أن هدوء المقابر لا يعني أن جميع الأموات في الجنة.
يحمل هذا القول وصفا دقيقا للهدوء الذي تعيشه دول عربية لم يجتحها الربيع حتى الآن، وهي دول تنام على فراش طمأنينتها المؤسسة على تقارير أمنية تؤكد أن «الأمور تمام يا افندم. الشعب سعيد ويغني للحكم المجيد».
ليس في هذا الهدوء ما يدعو للطمأنينة، ولا يحمل هذا السكون إلا طنينا ينذر باقتراب الانفجار ودنو تسونامي التغيير من شواطئ الوعي الجمعي لمجتمعات لم تفلح الثروة ولم ينجح النفط في إماتة روحها الوطنية وحسها الانساني.
كانت سوريا هادئة تماما في ذروة الربيعين التونسي والمصري، ولم يكن النظام السوري يستشعر التهديد عندما وصلت الأمور حد الحسم بالبنادق وبالسكاكين في ليبيا، ولك يكن أحد من مستشاري الرئيس السوري أو أعوان النظام قادر على التنبؤ بموعد الانفجار، بل إنهم كانوا يجمعون على تميز النموذج السوري الذي يبقي البلاد بعيدا عن الإعصار ويحمي العباد من ربيع يخضر بالبارود.
في لحظة بدت وكأنها خارج السياق سمع السوريون طلقة البداية، وفي زمن بدا وكأنه مقتطع من تاريخ سوريا الحديث اشتعلت حرائق درعا وحماة وحمص ووصل اللهب الى دمشق التي تحترق الآن وتحترق فيها أركان نظام كان ينام على طمأنينته الخادعة.
وإذا كانت عوالم الحكام محصورة في حدود قصورهم المحصنة فإن الشعوب التائقة للتغيير تكسر حصارات الجغرافيا وتستخف بالنموذج الكاذب وتعبر في ما أتيح من وسائل اتصال إلى مناطق الاشتعال وتستحدث وسائلها في التغيير.. وتؤمن بقدرتها على إعادة تشكيل حياتها.
رغم تعاقب اجتياحات الربيع لدول المنطقة الا أن أحدا لم يستوعب الدرس، ولم يستطع نظام عربي أن يقرأ تجربة نظام آخر في السقوط، فصارت الأنظمة تتدحرج كما أحجار الدومينو، وظل الواقفون في أواخر الصفوف مطمئنين إلى بقائهم واقفين في هذا السقوط الجمعي المريع
هدوء المقابر لا يعني أن جميع الأموات في الجنة وهدوء الشوارع العربية لا يعني أن العرب في نعيم.