استنتاجات غزاوية: «حماس» 2012 - محمد سيد رصاص *
رياح الموجة الديموقراطية العربية، هي الطريق السالك إلى تغيرات داخلية مرتقبة. والمتغيرات الجغرا- سياسية الجديدة في البنية الإقليمية للمنطقة هي التي ساهمت في منع الغرب لنتانياهو من المضي بعيداً في عمليته العسكرية ضد غزة، لأن هذا لو حصل، كان سيقود إلى تقويض الحكم المصري الجديد وإلى إنعاش الروح في قوة طهران الإقليمية التي كانت ستضع على الطاولة مقولة أن انتقال «حماس» من موقع إقليمي إلى آخر هو سبب فشلها في حرب 2012 بخلاف ما حصل في حرب 2008-2009. إذا انتقلنا إلى مربع آخر من الاستنتاجات الغزاوية، فإن نتيجة حرب الأيام الثمانية الناجحة، بالنسبة لحماس، ستساهم في قلب المعادلة الفلسطينية الداخلية، التي كانت متميزة منذ شــهر شبــاط 1969 بهيمنة «فتح» على الحياة الســياسية الفلسطينية، وهو شيء لم يستطع أن يحــققه الشيخ أحمد ياسين ضد ياسر عرفات ولا خالد مشــعل ضد محمود عباس لا قبل الحرب الغزاوية الأولى، عــبر الانقلاب الذي قامت به حماس في 14 حزيران (يونيو) 2007، ولا بعدها.
منذ وصول «الإخوان المسلمون» إلى السلطة، في آب (أغسطس) 2012 مع انقلاب الرئيس مرسي الأبيض ضد العسكر وليس مع جلوسه على كرسي الرئاسة في 30 حزيران، تعززت أوراق حماس في اللعبة الفلسطينية الداخلية، ولكن بعد حرب الأيام الثمانية، ودور القاهرة فيها، سيكون العامل المصري مرجحاً لكفة حماس على فتح، مثلما كان دور الرئيس عبدالناصر في ترجيح كفة «فتح» في الفترة الفاصلة بين حرب 1967 وتولي عرفات لقيادة المنظمة، وهو دور كان مساره معاكساً قبل الحرب عند الرئيس عبد الناصر لصالح الشقيري منذ 1965 وحتى 1967 وهذا سيقود إلى تعقيد المصالحة الفلسطينية وليس إلى تســـهيلها كما يظن بعض الذين يؤمنون بأن الفورات العاطفـــية، الأخيرة هي المقررة في السياسة، وليس الوقائع والتوازنات الفعلية على الأرض. وفي هذا الإطار ليس تقارباً مع «فتح» موافقة «حماس» بعد اتفاق التهدئة على التوجه للجمـــعية العامة للأمم المتحدة في الذكرى الخامسة والســـتين لقرار التقسيم لنيل عضوية «دولة مراقب» لفلسطين بعد أن كانت قبل الحرب معارضة لذلك، وهو ما يدخل في استحقاقات انتقال «حماس» من محور إقليمي إلى آخر والذي يتضمن التخلي عن سياستها السابقة في «فلسطين الكاملة»، الأمر الذي يجعلها أكثر انسجاماً مع ظهيرها المصري الإخواني الجديد الذي يمارس بعد الوصول للسلطة انتقالاً مماثلاً في موضوع كان يقوله الشيخ أحمد ياسين وبقية جماعة الإخوان المسلمين بأن «فلسطين وقف إسلامي لا يملك أحد الحق في التخلي عن أي جزء من أجزائه».
أظهرت متغيرات الربيع العربي، والذي ترجح تجربة غزة الأخيرة أنه يجب نزع المزدوجات عنه وأنه ليس خريفاً، أن إسرائيل قد أصبحت أكثر ضعفاً في البنية الجغرا- سياسية الجديدة للمنطقة والتي ساهمت المتغيرات الداخلية العربية في رسم الكثير من التضاريس الجديدة لتلك البنية. كما أظهرت تلك المتغيرات، التي أدت إلى انتقال «حماس» من موقع إقليمي إلى آخر، أن موقع المقاومة ليس حكراً حصرياً أو مربوطاً في العضوية بنادي (إيران- حزب الله)، بل يمكن الاستمرار فيه وبنجاح أكبر، مع الضعف المتزايد لمحور طهران الإقليمي وبحكم المتغيرات العربية الداخلية الجديدة التي دفعت ضريبتها طهران سلباً كما تل أبيب.
* كاتب سوري