تجديد الثورة- د.يحيي رباح
لا يظن أحد أن الانطلاقة كانت أمرا سهلا !!!
ولا يظن أحد أن الطريق كان سالكا , والأجواء كانت ممهدة , بل الانطلاقة حدثت في أصعب الظروف , و لكن تأخير الانطلاقة كان أصعب !!!
ولذلك عندما أعلن عن انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصر بالرصاص , فقد كان الإعلان نفسه صاخبا , وصادما للعديد من القوى المحلية والإقليمية , ومفاجئا للكثير من القوى الدولية , وذلك بسبب المعطيات المبرمجة لدى الأخريين , الذين اعتقدوا أن أبعد شيء عن التوقعات أن تنطلق ثورة الفلسطينيين المسلحة , لتكون إنذارا واضحا أن شيئا في حياة الفلسطينيين لن يكون كما كان , وأن المعايير الوطنية لدى هذا الشعب الممزق بين الوطن والشتات , بين الغياب و الحضور , بين الأمل والتماهي السلبي , قد تغيرت نهائيا !!!
كان الكثيرون يرون الأمر بعين الصعوبة إلى حد الاستحالة , فنحن في أرض الأخريين , وتحت عناوين السياسة , وتحت معاييرهم القانونية !!!
شعب بلا أي نوع من المرجعيات !!!
بلا شرعية سوى الحزن والذاكرة !!!
ترفع أجسادنا الجريحة مثلما ترفع قمصان عثمان , ولكن حين نهبط من موقع الراية والشعار ونهبط إلى أرض الواقع , نكتشف أننا خارج المعادلة , وزائد عن الحاجة , فكيف تكون ثورة المستحيل , ثورة بساط الريح , ثورة الهوية المبعثرة في أشتات الأرض ؟؟؟
حتى بعض الذين أسسوا حركة قبل سبع سنوات من الانطلاقة هالهم الأمر , لم يستطيعوا أن يتحملوا مسئولياته الرهيبة , فانسحبوا , أما الآخرون في الساحة الفلسطينية والعربية , فقد ألصقوا حركة فتح على جدران الشك في عواصمهم !!!
قالوا عنها ما لا يقال إلا في الأشياء المحرمة !!! اعتبروا فتح بانطلاقتها , التي هي قيامة إعجازية للشعب الفلسطيني خارجة عن المألوف , مكسرة لكل القواعد , مباحة فوق كل الأسرار , مستعصية على كل النصوص المحفوظة عن ظهر قلب , نصوص الاستسلام المطرزة بخيوط من ذهب .
الطرف الوحيد من بيت مئات بل ألاف من الأطراف الأخرى , دول وشعوب و هيئات حزبية , ومراكز إستراتيجية , وتكوينات أمنية , الطرف الوحيد الذي التقط البشرى و استبشر بها هو هذا الشعب العظيم الممزق بين الوطن و الشتات , المفترس من قبل الأيدلوجيات المتصارعة , والذي اسمه الشعب الفلسطيني !!!
فقد أيقن منذ أشرقت البشرى , و منذ سمع البيان الأول , ومنذ لمح صورة الفدائي الفلسطيني , أنه مدعو بثقة إلى فضاء أخر , إلى زمن جديد , إلى حالة غير مسبوقة , بأنه الآن أصبح حقيقة لا ينكرها أحد حين ينادى عليه كل صباح في كشف الحضور .
أعرف أن حركة فتح , هي مثل كل تكوين سياسي , ومثل تشكيل وطني , ومثل كل هيكل إداري , لابد أن يتغير بها الزمن !!! كل شيء يتغير و فتح من الطبيعي و الضروري أن تتغير !!! غنها سنة الحياة , و لكنني أشعر بطمأنينة دائما , أن الضرورات التي انطلقت منها فتح ما تزال قائمة , وأن الرحم الذي ولدت منه فتح لازال هو نفسه مفعما بالحيوية , وأن الأسئلة التي لا يحتمل صعوبتها إلا الأنبياء مازالت مطروحة !!! وأن هذا الوجع المقدس العميق المذهل الذي يسكن فيه الإنسان الفلسطيني فردا , وجماعة , وكلية وطنية , و حراكا متراكما , لا زال موجودا ينتج نفسه صباح مساء , ويطلق في خلية البقاء لدينا نداءه المقدس صباحا ومساء .
أقول ذلك :
لكي أذكر نفسي على مستوى اليقين أن فتح تتجدد , كل شيء فيها و من حولها يدعوها أن تتجدد !!! رهاناتها البسيطة والمعقدة تدعوها أن تتجدد !!!
وفتح بحكم تكوينها الأول , ونطفتها الأولى , لا يمكن أن تتجدد إلا إلى الأمام , تتجدد إلى الثورة , تتجدد إلى استنباط ما يجب عليها أن تفعله في ظل متغيرات الواقع و ضروراته وإلحاحاته , وشعبنا أثبت دائما أنه مع خيارات فتح على اعتبار أنها الحركة التي جعلت حلمه بأن يكون رقما مهما في المنطقة حلما ممكنا ومقبولا ومشروعا .
ما نريده ليس سهلا :
نريد وطنا و عنوانا و كيانا يرعى مصالحنا و تقرير مصيرنا و تجليس كينونتنا الوطنية على الأرض في دولة , بكل عناصر الدولة , و نحن الآن نعيش فوق أرض الحلم نفسه , لا نغفل أن الصعوبات قوية , ومتنوعة , وهناك أطراف تبدو كما لو أنها مختلفة و لكنها تعمل ضد هذا الحلم بدرجة عالية من التنسيق , وفي مواجهة هذه الصعوبات يجب أن نستعيد روح الثورة , التي لا تقيم وزنا للحسابات الصغيرة مادمنا نتقدم نحو الهدف .
فتح , فلسطين , في ذكرى قيامتها الثامنة و الأربعين تضيء إضاءات متعددة , تجدد الوعد , تقترب أكثر من القدرة الفاعلة , تستعيد روحها الأولى , ورؤاها الشجاعة , ولذلك فهي ذاهبة إلى الدولة والانتصار .