اعوام بعُّمرْ الشعب - عادل عبد الرحمن
يقف الشعب العربي الفلسطيني هذه الايام امام ذكرى تخص كل مواطن بغض النظر عن انتمائه الفكرية والسياسية، ولا تخص ابناء حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ، المبادرة لاعلان شرارة الانطلاقة؛ يقف الشعب والقيادات من كل الوان الطيف السياسي وفي المقدمة منهم ابناء حركة فتح للاحتفاء بالذكرى الثامنة والاربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، إنطلاقة حركة فتح.
48 عاما من سجل الشعب في النضال والعطاء لمواصلة مشوار الكفاح التحرري وبلوغ الاهداف الوطنية في الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير وضمان حق العودة على اساس القرار الدولي 194. حفلت الاعوام المنصرمة بالانجازات العظيمة وبالهزائم والنكوص. شهدت التقدم والتراجع على حد سواء في محطات ومنعطفات عدة منذ انطلاقة الرصاصة الاولى وحتى يوم الدنيا الذي نقف فيه.
الثورة ، وهي تحتفل بانطلاقتها ال 48، تؤكد للقاصي والداني، ان القيادة الوطنية بزعامة حركة فتح، والتي تقف في قلب القرار الوطني برئاستها لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، ان الثورة الفلسطينية ما زالت تحث الخطى نحو الاهداف الوطنية، وانها لم تخنث بالوعد ولا العهد؛ ولم تستسلم رغم كل اشكال المناورة والمرونة السياسية؛ لم تسقط الراية مع انها تمشي على جمر الواقع الفلسطيني البائس الناجم عن الانقلاب الاسود، الذي قادته حركة حماس في محافظات الجنوب منذ اواسط عام 2007؛ وتقف كالطود الشامخ في وجه التحديات الاسرائيلية على ضيق الافق وإنسداده غالبا؛ وتواصل المسيرة في المنابر الاممية مع ان الولايات المتحدة تخنق كل بادرة سلام، بتواطئها مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية؛ وتطارد الحلم الفلسطيني بعار الفيتو تلو الفيتو لحماية الارهاب الاسرائيلي المنظم.
عشية الذكرى ال 48 للثورة المعاصرة استعادت فلسطين مكانة الدولة المراقب في الامم المتحدة في نهاية تشرين / نوفمبر الماضي، محققة انجازا سياسيا تكتيكيا مهما، وصمد الشعب في محافظات الجنوب امام عدوان اسرائيلي بشع. غير ان الانجازات المذكورة لم تفتح الافق على خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. لان حكومة إسرائيل تواصل خيارها المعادي للسلام عبر سياسة التهويد والمصادرة للاراضي واعلان العطاءات، التي فاقت الوصف في الاونة الاخيرة في القدس الشرقية وعموم الضفة الفلسطينية، ورفعت مكانة المركز الاكاديمي في اريئيل الى مكانة جامعة ، مرسخة بذلك سياسة تأبيد الاستعمار الاستيطاني. وكون الولايات المتحدة تعبث بمصير السلام بتساوقها مع سياسات التطهير العرقي الاسرائيلية ضد ابناء الشعب الفلسطيني، ولان العرب مازالوا جزءا من السياسات الاميركية – الاسرائيلية، ولا يقووا على استخدام اوراق القوة المتوفرة بايديهم لصالح الاهداف الوطنية، مع ان قضية فلسطين، حسب الرؤية الرسمية العربية، هي قضيتهم المركزية. ومع ذلك لم يفوا بالحد الادنى من قراراتهم التي اتخذوها هم وليس احد غيرهم. لم يلتزموا بتأمين شبكة الامان المالية لموازنة الدولة الفلسطينية، وحتى لم يتجرأوا للمجيء الى اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة لتقديم الدعم للقيادة والشعب بالانجاز، الذي تحقق في نوفمبر الماضي، لان تبعيتهم للعم سام القاطن في البيت الابيض، تحول دون تحرر ارادتهم وقرارهم.
الانجازات العديدة، التي تحققت على مدار سنوات الكفاح العظيمة، آخذة في التلاشي والضياع، ليس بسبب الولايات المتحدة وحكومات إسرائيل وانتهاكاتها وجرائمها، ولا بسبب التواطؤ العربي، انما بسبب العوامل الداخلية، الاول ضعف وتهالك فصائل منظمة التحرير وفي مقدمتها حركة فتح، بسبب الازمات العميقة، المتجذرة في هياكلها وبنيتها، وسياساتها وبرامجها، وغياب دورها الكفاحي، وعدم القدرة على محاكاة قضايا الشعب، والركون للادوات الرسمية، والبحث عن المواقع والمناصب، ليس هذا بل والعبث بممتلكات الشعب عبر سياسة الفساد المالي والاداري والكفاحي. والثاني تطاول التيار الاسلامي بقيادة تنظيم الاخوان المسلمين ( حركة حماس) على منظمة التحرير وفصائل وخاصة حركة فتح، مستغلة الوهن والضعف والارباك والازمات التي تعيشها فصائل الثورة عموما وفتح تحديدا، وتجرؤها على اللجوء لخيار الانقلاب الاسود على الشرعية الوطنية في حزيران / يونيو 2007، ممزقة النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي، وساعية لتأبيد خيارها ، رغم كل الخطوات والتنازلات ، التي قدمتها القيادة السياسية لها. وسعيها الدؤوب في ظل التطورات العربية على الاستحواذ على الكل الوطني من خلال سحب البساط من تحت اقدام القيادة في منظمة التحرير ومؤسساتها ومنابرها المختلفة .
البعض يعتقد ان الازمة المالية، التي تمر بها الدولة الفلسطينية ، هي الاخطر على مستقبل النضال الوطني. الحقيقة ان الازمة المالية، هي نتاج ما تقدم من ازمات. نتاج بؤس الواقع الوطني. ونتيجة ضعف الدور الفلسطيني. وبسبب الاليات المتبعة في التعاطي مع اصحاب القرار العرب والامميين. واي كانت تداعياتها (الازمة المالية) ليست الاخطر، الشق الاهم في الازمة ، هو استعادرة الدور والمكانة الوطنية لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح، كي تستعيد موقعها بجدارة، وكي تقطع الطريق على حركة حماس وحركة الاخوان في عموم الدنيا، وحتى تضع حد للسياسات العربية والدولية المتواطئة والمتساوقة مع إسرائيل ومن لف لفها في العالم .
الاعوام الماضية من عُّمْر الثورة، هي اعوام بعُّمرْ الشعب الفلسطيني كله. لانها شقت طريق الولادة لحرية الشعب واستقلاله الوطني الناجز عبر عشرات الاف التضحيات الجسام كان في مقدمتهم الشهداء القادة : ابو عمار ، زعيم الثورة، وجورج حبش، وابو جهاد وابو اياد وابو على مصطفى ، وابو الهول وسعد صايل وماجد ابوشرار وغسان كنفاني وعبد الرحيم احمد وابو العباس وسمير غوشة وبشير البرغوثي وخالد نزال وعمر قاسم وصبري صيدم وابو علي اياد وجيفارا غزة ومحمود درويش ومعين بسيسو واسماعيل شموط ويوسف الخطيب... والقافلة تطول ..
هذه الاعوام وما حملته من انجازات وطنية هامة ، لايجوز التفريط بها، او التساهل مع اي قوة تسعى للعبث بها او بمستقبل الشعب والقضية وتقرير المصير ومكانة الفصائل الوطنية وبالتحديد حركة فتح. ولتكن ذكرى الانطلاقة ال 48 للثورة وفتح نقطة التحول الوطنية والرافعة لاعادة الاعتبار للهوية والشخصية الوطنية وللفصائل الحاملة لها.
a.a.alrhman@gmail.com