مزيد من المخالفات- احمد دحبور
ليس تخلف وزراء الخارجية العرب عن مرافقة أمين عام الجامعة إلى فلسطين مجرد خلل بروتوكولي، بل إنه مرتبط، عند من يقرأ الأحداث، بالأزمة المالية الخانقة التي تعصف بالسلطة الفلسطينية، ولست من السذاجة بحيث أفسر تخلف وزراء الخارجية بعدم رغبتهم في إحياء شبكة الأمان التي أقرها العرب مالياً لدعم فلسطين، فالقصة تتجاوز أن تحرجهم السلطة إذا طرحت استحقاقات شبكة الأمان لأن الذي يقصر في أداء الواجب لن يحرجه العتاب، ولكن المسألة تتلخص في كلمتين وحرف جر: ابحث عن أمريكا..
فاليانكي الأمريكي لم ينكر غضبه على السلطة الوطنية لأنها رفعت قضيتها إلى الجمعية العمومية وفازت بعضوية مراقب في المنتظم الأممي، وبسرعة البرق تحول الغضب الأمريكي إلى مقاطعة وتجفيف موارد، وبممارسة الضغط على المانحين بمن فيهم العرب لإيقاف دعم الفلسطينيين. وفي السياق ذاته نستطيع أن نرى ونفسر غياب وزراء الخارجية العرب عن موعد فلسطين، وهم الذين أعلنوا على الملأ عن عزمهم على مرافقة الأمين العام للجامعة العربية، ولا يحتاج المراقب المحايد إلى كبير ذكاء ليدرك أن تليفونات العواصم العربية قد رنت في وقت واحدا تقريباً لتستقبل «نصيحة» سيدة العالم الحر بعدم الذهاب إلى فلسطين؟!
فهل يندم الفلسطينيون على تقدمهم خطوة في اتجاه تثبيت حضورهم في العالم؟ لقد تبرع اليانكي الأمريكي بالتحذير فالتهديد، وها هو يمارس تنفيذ الوعيد، ولكن متى كانت خطوات الفلسطيني متناغمة مع الرغبة الأمريكية المتماهية مع الخط الإسرائيلي؟ إن تاريخ السياسة الفلسطينية المعاصرة مرتبط بالتحذيرات المتعجرفة التي لو استجاب لها الفلسطينيون لما فعلوا شيئاً من أجل قضيتهم، بل إن الوجود الفلسطيني على الساحة الدولية هو، في جوهره، مخالفة استفزازية في حسابات الصهيوني الذي يسعد أمريكا أن تسعى إلى إرضائه واستبعاد ما يعكر مزاجه.. ولهذا لا نأتي بجديد إذا قلنا مسبقاً إننا سنرتكب المزيد من المخالفات من وجهة النظر الأمريكية، بل إننا لا نملك خياراً غير هذه المخالفات ما دام الراصد الصهيوني سيحصي علينا أي نجاح في أي سياق، و «الراعي» الأمريكي جاهز لإنزال العقوبات..
إن هذه البدهيات المؤلمة، لا تصرفنا عن مواصلة مشروعنا الوطني بطبيعة الحال ولكنها تضعنا في حالة احتكاك مع المنظومة العربية التي إن كنا لا ننكر ما قدمته لفلسطين فلن ننسى خذلانها لفلسطين لمناسبات كثيرة، ومع ذلك نقول: إن من خلع ثيابه فقد تعرى.. ولن نتخلى عن ثيابنا العربية حتى لو شحت موارد الدعم ولو غاب وزراء الخارجيات العربية عن زيارتنا، فنحن عرب لا لمجرد أننا نرغب في ذلك، بل لأننا كذلك.. وبهذه الصفة فإننا ملتزمون بواجباتنا ولن نتنازل عن استحقاقاتنا.
أما على المستوى الوطني، فقد أنجزنا ما لا يستهان به، وما احتفالات حماس في عيدها الوطني داخل الضفة، واحتفالات فتح المزمعة لمناسبة ذكرى انطلاثة الثورة في غزة، إلا إشارة على خطوة نوعية في اتجاه الوحدة الوطنية، وما دام الأمر كذلك فإلى المزيد من المخالفات التي تزعج المزاج الأمريكي: لن نتنازل عن تحقيق وحدتنا الوطنية، وسنعمق صلتنا العضوية بالعالم بحيث لن نكتفي بعضوية مراقب، وسنواصل تربية أبنائنا على أن فلسطين وطنهم وان العودة حق مقدس، إلى آخر هذه المخالفات التي هي مصدر اعتزازنا الدائم، والتي نستعد باستمرار لتحمل تبعاتها عن طيب خاطر..