عام مضى تأججت فيه تناقضات وأطلقت تحديات وارتسمت وعود والثورة مستمرة - عباس الجمعة
ينطوي عام 2012، وهو عام تأججت فيه تناقضات وأطلقت تحديات وارتسمت وعود، إلى مدى غير مسبوق. ونحن اليوم نستقبل عام جديد لنستخلص منه الدروس التي اعطتها الثورة الفلسطينية وهي تدخل عامها الثامن والاربعون، لنركز على رؤية عميقة وقراءة تستند للواقع وموازين القوى، ومعرفة لطبيعة العدو ومشاريعه التي نجابهها، في فلسطين، وهنا تطرح أسئلة كبيرة ومتعددة تفرض التفكير والدراسة.
يطوي عام 2012 صفحاته، حاملاً معه أحداثاً وملفات، على مستوى القضية الفلسطينية والمنطقة، ويتزامن كل ذلك مع ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة الثامنة والاربعون والتي تتطلب من جميع الفصائل والقوى أن تركز على تعزيز الوحدة الوطنية السلاح الأمضى في مواجهة العدو الصهيوني ومشاريعه ومخططاته واهدافه، حيث شكلت الطلقة الاولى لابطال العاصفة في عملية جريئة في عيلبون في 1/ 1/ 1965، مكانة مهمة ومشرقة امام كل قوى حركة التحرر والتقدم في العالم، ونالت موقعها الثوري عند الجماهير العربية، فكان اول شهيد للثورة احمد موس علامة تضيئ درب فلسطين من اجل التحرير، ونحن لن ننسى الدور التأسيسي لرمز فلسطين في الانطلاقة للرئيس الشهيد القائد " ياسر عرفات " ولأخيه امير الشهداء " ابو جهاد الوزير " الذين اعدوا الفكرة والتمهيد للانطلاقة عام 1958 ولن ننسى الدور التعبوي والنضالي لهؤلاء القادة العظام مع اخوانهم في حركة القوميين العرب وجبهة التحرير الفلسطينية انذاك، حيث كان الهدف التعبوي والاعداد هو الاساس نحو انطلاقة شرارة الكفاح المسلح والثورة الفلسطينية عام 1965 .
شكلت انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة جملة من المبادئ والمنطلقات والأهداف، وحظيت بأهتمام وطني وقومي وعالمي واسع، وجاءت معبرة أبلغ تعبير عن ما يعانيه الشعب الفلسطيني وشخصت من خلال ذلك هويته الوطنية كأنجاز مهم في تاريخ القضية الفلسطينية الا وهو منظمة التحرير الفلسطينية كجبهة وطنية متحدة تضم كافة القوى والفصائل في اطرها الوطنية، وبفعل النضال المتواصل والدور الكفاحي الهائل للشعب الفلسطيني، استمرت الثورة الفلسطينية رغم المؤامرات التي كانت وما زالت تستهدف تصفية المشروع الوطني وضرب منظمة التحرير الفلسطينية كمقدمة لتقزيم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
واليوم تدخل الثورة الفلسطينية المعاصرة عاما جديدا من عمرها تزامن مع انتصارين فعلى الصعيد الدبلوماسي كان الاعتراف الاممي بدولة فلسطين كدولة غير عضو اي "مراقب" في الجمعية العامة للامم المتحدة، والانتصار الثاني ميداني تحقق من خلال صمود وتضحيات الشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة ، وهذان الانتصاران شكلا حالة استنهاض نحو انطلاقة الثورة على طريق مواصلة النضال من اجل تحرير الارض والانسان.
وفي ظل هذه الظروف تشهد منطقتنا حالة صراع بمواجهة شبح التوسع الأميركي، حيث ترتسم في الأفق صورة خارطة جديدة لمنطقتنا من خلال شرق اوسط جديد قائم على تقسيم وتفتيت المنطقة الى دويلات دينية، طائفية، عرقية.. متصارعة مع بعضها الآخر وتحمي في صراعها وجود الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
ان الضحية هي ثورة الشعوب العربية التي كسرت حواجز الخوف والقمع والاضطهاد، ثارت من أجل أنظمة ديمقراطية حرة مستقلة، أنظمة تعبر عن تطلعات شعوبها تتحالف معها في مقاومة الاحتلال ومواجهة التدخلات الخارجية، وتقف الى جانب فلسطين، الا ان الادارة الامريكية ومعها القوى الاستعمارية تحاول من خلال ما يسمى قوى الإسلام السياسي، بمختلف تلاوينه ومسمياته، من السطو على انجازات الشعوب بممارساتها وارتهاناتها والى تغير البوصلة التي امنت بها الشعوب.
وامام المخاطر هذه تمر القضية الفلسطينية اليوم بمرحلة دقيقة وخطيرة، حيث تشتد الهجمة المعادية الامريكية الصهيونية بمواجهة الحق الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة، مما يستدعي عدم العودة الى سياسة المفاوضات مع حكومة الاحتلال بعد وصولها الى طريق مسدود وباتت مضيعة للوقت، استغلها الاحتلال لفرض المزيد من سياسة الامر الواقع على ارضنا المحتلة، وطمس حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة، وهذا يدعونا الى ضرورة وأهمية التمسك بقرارات الشرعية الدولية وعقد مؤتمراً دولياً بحضور كافة الاطراف المعنية لتطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها قرار 194 الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وان على الشرعية الدولية ان تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية في إنصاف الشعب الفلسطيني ورفع الظلم المجحف الذي لحق به جراء اغتصاب فلسطين عام 1948 ، والتي لازالت شواهده ماثلة امام العالم في بقاء 5 مليون فلسطيني يعيشون في مخيمات اللجوء داخل فلسطين وخارجها في ظروف لا يتوافر فيها الحد الادنى من حقوق الانسان التى تقرها الشرعية الدولية.
ان الثورة الفلسطينية بنضالاتها واساليب كفاحها الثوري اعطت أكبر الأثر في دفع العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية ونضال هذا الشعب. إن هذا الاعتراف الذي انتزعه الشعب الفلسطيني بالتضحيات حيث يقف اليوم امام حملة حصار وعدوان متواصل على الشعب الفلسطيني، كما يشهد تعقيدات جديدة وصعوبات إضافية، ونتيجة لهذا الوضع ،مضافاً إلى العجز العربي الرسمي وتهربه من التزاماته بشبكة الامان العربية ، فان ما يجري هو مخطط معادي يستهدف القضية الفلسطينية وهذا يتطلب من جميع العرب وقفة ضمير في هذه المرحلة الحساسة من نضال الشعب الفلسطيني.
ان تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية والتي هي شرط مهم لتجميع طاقات الشعب الفلسطيني في مرحلة التحرر الوطني لمواجهة المخطط الصهيوني الأمريكي وانتزاع الحقوق الوطنية الفلسطينية وطي صفحة الانقسام الفلسطيني علي أرضية إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وترتيب البيت الفلسطيني واجراء انتخابات شاملة رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني وسم استراتيجية وطنية تستند للثوابت الفلسطينية والتأكيد علي خيار المقاومة بكل أشكالها باعتبار أن هناك حق صانته مبادئ القانون الدولي فطالما هناك احتلال فهناك مقاومة ، وتوفير عوامل الصمود.
إن هذه المناسبة تتطلب منا مراجعة نقدية لمسيرة نضال الشعب الفلسطيني في الكثير من المجالات وضرورة اخذ العبر والدروس لان مسيرة الثورة وتجاربها تشكل منارة ساطعة لدى كل شرفاء امتنا واحرار العالم.
ان انطلاقة الثورة تعطي حافزا للشعب الفلسطيني والأمة العربية وللأحرار بالعالم وخاصة ما قدمته من الالاف الشهداء على طريق التحرير والانتصار وفي مقدمتهم الرئيس الخالد الرمز ياسر عرفات وحكيم الثورة جورج حبش وفارس فلسطين ابو العباس والقادة العظام ابو علي مصطفى وابو جهاد الوزير وسليمان النجاب وسمير غوشه وعبد الرحيم احمد وطلعت يعقوب والشيخ احمد ياسين وابو احمد حلب وزهير محسن وفتحي الشقاقي وعمر القاسم، والالاف من الجرحى والاسرى.
ختاما: كل التهاني بذكرى الانطلاقة انطلاقة شرارة الكفاح المسلح ، انطلاقة المارد الفلسطيني، انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني ـ فتح ـ وكل التحية للإنسان الفلسطيني الصامد على ارضه ووطنه وفي اماكن اللجوء والشتات والمنافي، وتحية الى الاسرى الابطال المناضلين والمناضلات الذين يشكلون بصمودهم عنوان القضية الفلسطينية، وهم مفخرة لكل فلسطيني وعربي، كيف لا وان فلسطين أنجبتهم، ليثأروا بنضالهم من الاحتلال وبطشه وبالتالي إن النضال من أجل حرية الأسرى، هو واجب وطني وعلى الجميع العمل بهذا الاتجاه، والمجد للشهداء الإبطال المجد لمن صنعوا التاريخ مجدا وأمال وكتبوا قصة كفاح شعب وعبروا الطريق نحو الحرية والاستقلال والعودة.