الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حواجز نابلس    لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتاريخهم    شهداء في قصف الاحتلال منازل مواطنين في مدينة غزة    3 شهداء و10 مصابين في قصف الاحتلال شقة غرب غزة    الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين    فتح منطقة الشهيد عز الدين القسام الأولى والثانية إقليم جنين تستنكر قتل خارجين على القانون مواطنة داخل المدينة    استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله  

نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله

الآن

عـن الأخـلاق سـألـونــي... - آصف قزموز


للأخلاق شأنٌ عظيم في حياة المجتمعات، لذا شكلت عاملاً حاسماً في تحديد مصير شعوبٍ وأفراد ومجتمعات، سادوا بوجودها وإعلاء شأنها وبادوا بفقدانها وإهمالها. والفرد كما المجتمع والدولة، تحكم تطورهم ورقيهم وسؤدُدهم جميعاً، قضية الأخلاق باعتبارها عقدا اجتماعيا يكون في الغالب فطرياً بين الناس. وحتى نظرية توازن المصالح التي أزاحت جانباً نظرية المبادئ والقيم والمُثُل ومكارم الأخلاق وحلت مكانها هذه الأيام، لتشكل ثقافة جديدة في العصر الجديد، لها أيضاً معاييرها ومقولاتها وقيمها وأخلاقياتها، وإن خرجوا عنها أصحابها عامدين مستثمرين حتى في دماء المواطنين ولقمة عيشهم وإنسانيتهم. فغاب احترام الإنسان لأخيه الإنسان أوحتى لجاره أو زميله في العمل، مع أنهم شركاء جميعاً في العملية الاجتماعية والاقتصادية برمتها وبالموروث الانساني النبيل الذي أرسته وحققته الأجيال والأمم السابقة، وعلى الرأس منهم الآباء والأمهات الذين رَعَوا النَّشء وربوا وأسسوا واصطلوا بعقوق الوالدين في بعض الأحيان. وهنا يتجلى قول الشاعر:
والنشْءُ إن أهملته طفلاً تعثَّر في الكِبَرْ
قيل يوماً أن الرئيس الراحل أبو عمار، دخل القاعة لترؤُس اجتماع القيادة، فجلس في الصف الأخير من القاعة، وسرعان ما هرع بعض الحاضرين من القيادة يدعون أبو عمار للجلوس في الصف الأول، فكان أن نهرهم قائلاً: "مطرح ما بيكون القائد بيكون الصف الأول ولو كان في آخر القاعة"، يعني ليس الكرسي ولا المكان من يعطي القيمة والقدر للإنسان وإنما الإنسان هو من يعطي القيمة للمكان وللكرسي الذي يجلس عليه.
لكن في كل الأحوال يبقى دور البيئة والأسرة الحاضنة والمجتمع، عاملا أساسا في تكوين حياة الناس وسلوكياتهم وأخلاقهم فُرادى وجماعات. يعني اللي مش محترم من دار أهلو عمره ما بيكون محترم، واللي مش مربى من دار أهلُه عُمرُه ما بيكون مربى، واللي ما اتعلم السرقة من دار أهلُه يصعب تحوله لصاً. فمن لم يتشرب الأخلاق صغيراً في بيت أهلِهِ فلن تفلح المؤسسة ولا العلم وكل الأديان في إصلاحِه ولا صَلاحِهِ. لذلك اللي مش محافظ على قيمته واحترامه عُمُر ما حدا بيحترمُه، فالانسان قيمة نبيلة لا يستمد احترامه من أحد إن لم يكن هو نواة الأخلاق الحاملة لهذه القيمة. بصراحة لازم الواحد يحترم نفسه أولاً قبل مطالبة الآخرين باحترامه.
أحياناً بتشوف موظف عادي الله فتح عليه بدرجة وظيفية ما ربما يكون لا يستحقها، الله لا يسيئكم شو راح تشوفوا منو وتسمعوا عنوا يكفيكم شرّو، لا بتعود تعرف تحاكيه ولا بيعود يشوف الناس، لا اللي أكبر منو ولا اللي أعلى منو وربما حملو واتحملوا وساعدو وعلمو، وبصير يعتقد إنو ما في فضل لحدا عليه ولا حتى رئيس مؤسسته اللي رَفَّعُه ورعاه وعلاَّه سبحان الرب العالي في الأعالي، ومش بس هيك وبيصير يسكر تلفونه بوجه الناس ويتذمر ويتأفف من كثرة الاتصالات، عدا عن امتشاقه سيف الافتاء والعلم على من هم أعلى وأعلم منه، فهل هذه أخلاق يا إخوان، يعني" جابوا لَشُّوحة مَرجوحة وْلَأبو بْريْص قُبقاب"، وِلاَّ " شاف إيد إمُّو وِلْتَوَقْ ثِمُّوا"،  " فسبحان الذي أعطاك مُلْكاً وعلمك الجلوس على السرير، وانت ما صَرلك في القصر غير امبارح العَصِر!! يا جماعة الله وكيلكو اللي بيسوا واللي ما بيسواشْ كُلهُم بدهم يِقُعدوا قُدام  وما حدا بدوا يِقعد وَرى مع إنوا هاليام كل الصْفوف ورى وستين وَرة، لكن بيظل الأصول أصول، وِالمقامات محفوظة واحترام الصغير لَلِكبير فرض وواجب خصوصاً عند اللي  بيعرفوا الواجب وبيفهموا معانيه ، وعلى راي المثَل " مصيرِكْ يا كِنِّة تْصيري حْمايِة".
إن وعي الأخلاق ومعرفتها والتحلي بمكارمها تتطلب من المرء إدراكها بالاتجاهين، وبالتالي لا لوم ولاعتاب على من لا يعرفوها ولم يكتسبوها كوعي وسلوك تربوي مجتمعي، بِدءاً من نطاق الأسرة وصولاً للمؤسسة. من هنا، قال آباؤنا ومن سبقونا، "الكبير هو اللي بِيْكَبِّر الناس والصغير هو اللي بِيْصَغِّر الناس"، وقال الشاعر:
انما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ها هم بنو البشر من وطني وأوطاني، يسفحون دماء الشعب الذي حملهم على وهن وأعلاهم على كرسي الحكم، ولم يراعوا به إلاًّ ولا ذمة، وكأنما نسوا أوتناسوا أن الإنسان هو من يعطي الكرسي قيمة مهما عَلا أودنا أو كان من قَشْ أو طال الإنسان أو قَصُر، والكرسي لن يعطي قيمة لأحد ولو كان من عاجٍ على برجٍ في السماء. وبمناسبة الطول والقِصَر يذكر الكثيرون أو سمعوا، عندما وقف أحد المسؤولين من قصار القامة خَلْقِياًّ، يتحدث في حضرة الرئيس الراحل أبو عمار، فانتهره الرئيس بصوت عال قائلاً: لما بِيتكَلم الرئيس لازم تِوقف. فأجابه: أخ أبو عمار أنا واقف. فرد عليه الرئيس: حتى وَلَوْ، إوقَفْ كمان. عشان هيك عندنا ناس كثير لازم يِوْقفوا كمان وكمان وكمان، حتى يصيروا زي الناس، لأنهم مش ناس ولا من الناس. يعني لو وَضَعْنا انساناً وضيعاً على كرسي عاجيٍّ عالي،سيبقى مجرد انسان وضيع على كرسي عاجي عالي.
ومع كل هذا، نحن نظل دائماً بحاجة لوعي الأخلاق والسلوكيات الأخلاقية والمُثُل والقِيَم النبيلة، لكن حذار من المسرفين في الحديث عن الأخلاق، فكثيراً ما يكونون الأبعد عنها فعلاً والأقرب قولاً ورِئاءً، لذا، فهم يسعون دائماً لتقريب المسافة معها عبر الكلام الكثير الخالي من الفعل والممارسة. أليست الحكومة الاسرائيلية أكثر من تفوق في الحديث عن السلام وحقوق الانسان وتتباكى عليه صباح مساء، مع أنها الأكثر بعداً عنه في الممارسة والأشد تعدياً وانتهاكاً لها.
كثيرون هم الذين يتناسون ويتجاهلون حقيقة أن الأخلاق تشكل النواة الحية والبؤرة الصلبة للسلوك والحُكم الرشيد في كل المستويات والقطاعات والميادين. وكثيراً ما نشهد الفسائين ممن لا ينفعوا الوطن ولا العلم بشيء، يتزاحمون على المكتسبات ويستأثرون رغم غيابهم الدائم عن دائرة الفعل الحقيقي والواجبات، وإدارتهم الظهر لطمس الأعلى والأعلم منهم كما الغربال في وجه الشمس، وهنا يتجلى قول جدنا أبو الطيب المتنبي:
في كل يومٍ تحت ضبني شُوَيْعر ضعيفٌ يُقاويني قصيرٌ يُطاوِلُ
عن أية أخلاق نتحدث يا سادتي، ونحن نرى انتهاك دماء الشعوب والتسلط على حقوقها واستباحة الديمقراطيات التي حملت هؤلاء الحكام بالأمس لكرسي الحكم فيستخدمون اليوم البلطجة والتدليس والكذب المشفوع بالفتاوى المضللة باسم الدين والدين منهم براء، ويزوّرون أصوات الناخبين عنوةً وانقلاباً تحت سمع وبصر الشاشات والعالم الصامت دون خَجَلٍ ولا وَجَلْ، فيبيحون ويستبيحون ما حرم الله والشعب والوطن، في سبيل هذا الكرسي وصالح الإخوان ومرسي، ودفعوا الناس بلاأخلاقيتهم هذه، أمام واقع الترحم على من سبقوا هؤلاء في الحكم، ما جعل لسان حال الشعوب مع خاطفي الثورات ومدعيها، مقولة، "اتجوزنا تا نِنِسْتِرْ ساق الله عَ أيام الفَضيحَة".
عن أية أخلاق يمكن أن نتحدث، ونحن نرى الحكام يقتلون شعوبهم ويدمرون بلادهم وتاريخهم بدمٍ باردٍ بأيديهم، لأجل الذات البغيضة المستكبرة، وعن أية أخلاق نتحدث، ونحن نرى وعلى مسامع العالم أجمع، كلمة المندوب الكندي في الجمعية العامة للأمم المتحدة أشد ضراوةً وقساوة وعدوانية على الشعب الفلسطيني من كلمة اسرائيل ذاتها؟! وهل من المعقول هكذا أخلاق ونحن في زمن الحريات والديمقراطيات في القرن الواحد والعشرين؟! يعني على رأي المثل الفلسطيني، "أهل المِيِّت صَبَروا وِلِمْعَزيِيْن كَفَروا"؟!
ولعلي لا أبالغ اليوم إذ قلت، بأن من المؤشرات المبشرة والمبشرات المؤشرة، على انتهاج وعي المعرفة بالأخلاق كجزء مكون لتطور المجتمع الفلسطيني وضلوعه في مسار التنمية الوطنية المتصاعدة، وكثقافة وطنية، هو الاهتمام المتزايد من قبل السلطة الوطنية كدولة ومؤسساتها في وضع مدونة السلوك والسلوكيات الاجتماعية والوظيفية في نطاق الحوكمة والحكم الرشيد. لكن اذا لم يكن أساس المرء وجوهره صالحاً خَلقياً أولاً وله أرضية صلبة في الذات الفردية ثم الجمعية، فسيذهب الجهد المبذول أدراج الرياح، وحينها سيتجلى قول ابي العلاء المعري:
غير مُجدٍ في مِلتي واعتقادي نوح باكٍ ولا ترنم شادي
لقد أسمعت لو ناديت حياًّ ولكن لا حياةَ لمن تنادي
فحين تعم الفوضى الخلاَّقة، ويصبح الحاكم مِثل السَّطِلْ بَلا عْلاكَة، ويطغى تَقاوي الضعيفِ على القَوي، وتطاوُلُ القَصيرِ على الطويلْ، ويباهي الدَّميمِ على الجميلْ، نقول: هَزُلَتْ وسالَ لُعابها وسامَها كُلُّ خَسيسْ، وعذراً لمن قالوا أو سيقولون يا سارية ابن حِصن الجَبَلْ، أو سَبَقَ السَّيْفِ العَذَلْ، فيظل مصابنا بِمِثلِ هؤلاءِ جَلَلْ.
asefsaeed@yahoo.com


 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025