مفاتيح السلطة والسلام -موفق مطر
عندما لا يستطيع اشخاص مصنفون في خانة « قادة» فهم مغزى ومعاني كلمات ورسائل الرئيس ابو مازن لقادة اسرائيل ومجتمعها السياسي، فهذا يؤشر اما الى خلل خطير في ميكانيكية التواصل لدى الشخص أو انه من محترفي التلاعب بوعي الجمهور، والارتكاز على حائط المصادر الاسرائيلية ومنها الاعلام للهجوم على منهج وسياسة الرئيس ابو مازن، رغم علم الجميع انه يسير على منهج وبرنامج سياسي واحد واضح، ويتحدث بلسان واحد، وله وجه واحد، وانه واحد من الزعماء القلائل في العالم الذين يتميزون بهذه الصفة ان لم نشأ القول انه الفريد من زعماء العالم ورؤساء الدول وقادة حركات التحرر الذين يأخذون الصدق منهجا للتعامل مع شعوبهم وخصومهم.
يؤمن أبو مازن بأن القائد الحقيقي هو من يرفع الناس من دائرة الظلم والموت العبثي الى دائرة العدالة والحياة، لا من يرفع كرسي زعامته ويرسم هالة قيادته على انقاضهم وجثثهم، القائد هو الذي يصارع المستحيل لحماية الناس، لا يحتمي بهم.
لم تكن السلطة الوطنية الفلسطينية هدفا استراتيجيا، وانما هي هدف مرحلي لنقل الشعب الفلسطيني نحو الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة بعاصمتها القدس، رفع الشعب الفلسطيني اركان مؤسساتها كنواة للدولة على أرضه، وفرضها بنضاله وارادته، كسلطة تعبر عن قدراته الابداعية وجدارته كبقية شعوب العالم بقيام دولته الحرة الديمقراطية.. لكن الاحتلال الاستيطاني أرادها سلطة مجردة من المسؤولية القانونية، وعلامات ورموز السيادة.
لم يكن قرار السلطة اختراعا او صناعة اسرائيلية، ولا هو ابداع اميركي كما يتخيل البعض!! وانما هدف وطني أقره المجلس الوطني منذ عام 1974، عندما اعلن قراره اقامة السلطة الفلسطينية على أي شبر يتم تحريره من ارض فلسطين، وهذا يعني ان السلطة لم تكن وديعة اسرائيلية او اميركية لدينا حتى نردها اليهم، كما ذهب بعضهم لتفسير كلام الرئيس ابو مازن، ولم تكن السلطة حزبا، او جماعة حتى نعلن حلها، فالسلطة مولود ارادة ونضال شعب منظمة التحرير الفلسطينية، شعب فلسطين الذي مضى باصرار وصمود وتحد مع ابو مازن حتى نال شهادة اعتراف من دول العالم بميلاد دولته، وسجلها في قيد الدول حتى وان كانت حتى الساعة محتلة.
لم يهدد الرئيس ابو مازن بحل السلطة، لكنه تحدى نتنياهو المضي الى ما لا نهاية بمخطط الاستيطان والاحتلال والحصار المالي، ففي حديثه الى صحيفة هآرتس قال الرئيس ابو مازن حرفيا: «نحن نريد خلق فرصة لعملية سياسية ذات مغزى بعد قرار الامم المتحدة الاخير، حيث اصبحت فلسطين دولة في المنظمة الدولية، وعليه فنحن نريد اطلاق عملية سياسية تقوم على اساس التزامات الجانبين... من جانبنا نلتزم بما علينا في كل المجالات ومن جانب اسرائيل عليها التزامان، الاول وقف الاستيطان والثاني اطلاق سراح المعتقلين وخاصة الذين اعتقلوا قبل اوسلو، فهذه ليست شروطا، انها التزامات، نحن معنيون بالتعاون مع العرب والاتحاد الاوروبي ومع اميركا والصين واليابان وكل دول آسيا وافريقيا الهند والبرازيل واللجنة الرباعية الدولية لخلق فرصة نحدد سقفا زمنيا لها، على اساس عملية سياسية حقيقية.. أما في حال الفشل في خلق فرصة حقيقية لاطلاق عملية سياسية جدية لانهاء الاحتلال ورفضت اسرائيل وقف الاستيطان والافراج عن المعتقلين واصرت على الاستيطان، فالسلطة لن تعود قادرة على الاستمرار».
قال ابو مازن أمام وفد لحزب ميرتس الاسرائيلي جاء الى رام الله ان: «استمرار السلطة بلا سلطة وافراغها من مضمونها وولايتها من قبل اسرائيل سيؤدي لانهيارها». وهذا يسمع الاسرائيليين أن اسرائيل هي وحدها المسؤولة عن تداعيات اجراءاتها المالية والاقتصادية والسياسية والاحتلالية والاستيطانية وانتهاكاتها لحقوق الانسان الفلسطيني على أرض الدولة الفلسطينية المحتلة.
كان ضروريا ان يسمع ويقرأ الاسرائيليون تحذيرات الرئيس عباس، فلعلهم يضغطون على حكومتهم، ويعرفون الذي سيجلب لهم وللمنطقة مصيرا مجهولا اذا ما انهارت آمال الشعب الفلسطيني بعملية السلام،
يجب ان يدرك الاسرائيليون أن حكومتهم وقادة أحزابهم يريدون ان يكونوا زعماء على اشلاء الفلسطينيين والاسرائيليين معا، ودماء انسانية مسفوكة من الجانبين، فالاحتلال ارهاب، والاستيطان لا شرعية له اطلاقا، وباطل حسب القانون الدولي، وحصار الفلسطينيين بلقمة عيشهم ودوائهم وتعليمهم، لا يمكن التعايش معه، وان المسؤولية الأخلاقية تحتم على المجتمع الاسرائيلي ان يعمل ويتجه نحو السلام كما يعمل ويتجه الشعب الفلسطيني مع قائده نحو عملية سلام ناجعة تفضي الى حل دولتين. فمفاتيح السلام بالمنطقة هي انهاء الاحتلال وايقاف الاستيطان، والاعتراف بدولة فلسطين وحق الشعب الفلسطيني بقيام دولته المستقلة ذات السيادة بعاصمتها القدس، التي كانت وستبقى مفتاح السلام بالمنطقة والعالم.