أقلام عارية- فؤاد ابو حجلة
تناول الصديق الزميل حافظ البرغوثي في مقالته المعنونة “السلطة الرابعة ضحية” مأساة الصحافة وتضحيات العاملين فيها والذين سقط الكثيرون منهم شهداء في بحثهم عن الحقيقة وسعيهم لكشف المستور في بلاد الربيع والخريف وكل فصول العام الماضي.
بالفعل، كانت 2012 سنة مأساوية للصحافة، فقد واجه الصحفيون في أشهرها الطويلة قمع الأنظمة الطاغية وبطش معارضاتها الغبية في الشوارع الملتهبة بالمواجهات، فمنهم من قضى ومنهم من جرح ومنهم من خطف، وما زال بعض زملائنا في عداد المفقودين.
لكن المؤسسات الصحفية التي ينبغي أن تكون جزءا من السلطة الرابعة لم تخسر شيئا بل استثمرت أجواء الصراع وتكيفت مع المتغيرات السياسية وانقلبت على ذاتها لتنسجم مع واقعها الجديد وتستفيد منه. حدث هذا في مصر وفي تونس وفي ليبيا، وقبل ذلك في العراق.
حلت صورة الزعيم الجديد محل صورة الطاغية المخلوع أو الهارب أو المقتول، واستبدلت افتتاحيات التمجيد لسياسات الحكم السابق بافتتاحيات الطعن في شرعية ذلك الحكم ونقد نهجه وتمجيد السياسات الجديدة، وتحول الكتاب في الصحف الحكومية من التغني بعبقرية قادة الحكم السابق الى تفنيد أخطائهم وخطاياهم.. تمسكت الجرائد بلغتها واحتفظ الكتاب بمفرداتهم، ولم يتغير شيء غير الأسماء.
هكذا اختارت السطة الرابعة أن تنتحر وأن تنحر أبناءها الرافضين لهذا العبث ولهذا الخراب. وهكذا واصلت المؤسسات الإعلامية الرسمية العربية أداء دورها التخريبي ومضت في نهج تزييف الحقائق وتزويق الخطايا وتخريب الوعي.
الموجع في هذا السياق ما تكشفه الآن صحف مستقلة عن بعض تفاصيل هذا الخراب، وبعض ملامح الخنوع الإعلامي ليس للأجهزة الأمنية فقط، ولكن للرؤساء والمسؤولين الذين كانت تسترضيهم الصحف بالأخبار.. وبالهدايا الثمينة. وقد استفزني ما نشرته صحيفة “الشروق” المصرية عن الهدايا التي قدمتها مؤسسة “الأهرام” للرئيس السابق حسني مبارك خلال السنوات الأربع الأخيرة من حكمه الطويل الثقيل، فقد بلغ مجموع أثمان هذه الهدايا ملايين الدولارات وكذلك أنفقت “الأهرام” ملايين كثيرة في شراء هدايا لزوجة الرئيس ولابنيه وزوجتيهما. وكان من بين هدايا الصحيفة للرئيس ساعة يد ضد الزلازل قيمتها 920 ألف جنيه مصري!
ما الذي يمكن أن يفعله رئيس الجمهورية بساعة يد مضادة للزلازل؟ بالطبع كانت الساعة عديمة الفائدة فهي لم تسعف مبارك في وقاية نفسه من الزلزال السياسي الذي أطاح بحكمه ولم تحمه من أي شيء في أوقاته الصعبة.
ربما يكون مبارك قد نسي ارتداء هذه الساعة قبل ثورة يناير، وربما يكون رئيس مجلس إدارة “الأهرام” قد نسي أن الزلزال الشعبي يتفجر في جزء من الثانية ولا يحتكم الى ساعة توقيت.
السلطة الرابعة في أي بلد عربي يستطيع أن يحكمها شاويش مخفر صغير والعاملون في الاعلام يواصلون مواجهة مصائرهم بأقلام عارية.