مهرجان أرض السرايا- الدلالات والرسائل- انور حمام
استطاعت حركة فتح وبقليل من العناء وبالكثير من الثقة ان تحشد حولها في ذكرى انطلاقتها الـ48، اكبر تجمع بشري في تاريخ فلسطين الحديث على الاطلاق، فقد احتشد أكثر من مليون انسان في ساحة ارض السرايا وسط قطاع غزة، يحملون رايات حركة فتح ومنظمة التحرير واعلام فلسطين.
ويأتي هذا الحشد الهائل تتويجا لاسبوع عاشه قطاع غزة بشكل غير اعتيادي، استعداداً للمهرجان، وما رافق ذلك من مظاهر لرفع رايات الحركة على طول قطاع غزة وعرضه، ومسيرات راجلة واخرى محموله تجوب القطاع ليلا ًونهاراً استعدادا ليوم النفير الاكبر، غزة تحولت للون "الاصفر الذهبي" بعد سنوات من القمع والمنع والاعتقالات والتعذيب والقتل الذي طال كوادر ونشطاء حركة فتح على يد مليشيات حركة حماس التي استولت بقوة السلاح على قطاع غزة.
ورغم كل محاولات حماس للتقليل من شأن هذا المهرجان ومناوراتها لتعطيل اقامته، ومراوغتها المقصودة فيما يتعلق بمكان اقامة المهرجان، وذلك لجعل الانطلاقة هذا العام حدثا عابرا، ومماطلتها حتى الرمق الاخير لمنع اقامة المهرجان على ارض واسعة مثل ساحة الكتيبة، ومحاولتها منع اقامته على ارض السرايا، الا ان الضغط الشعبي وضغط القوى والفصائل الفلسطينية الذي تعرضت له حماس جعلها توافق ولو مضطره على اقامة المهرجان على ارض السرايا وسط غزة.
الدلالات والرموز وراء حفل انطلاقة فتح في غزة:
إقامة مهرجان الانطلاقة في قطاع غزة على ارض السرايا يحمل بداخله معانٍ وابعاد ودلالات ورموزاً غاية في الاهمية ويجب ان تقرأ من عديد المستويات:
1. الدلالة الرمزية للمكان: كما يعلم الجميع فان لهذه الساحة دلالات "مكانية-رمزية" لابناء الشعب الفلسطيني، ومجمع السرايا كان يحوي بداخله كل المؤسسات الامنية والعسكرية والمدنية قبل انقلاب حماس، وهذ الابنية تم تدميرها من قبل سلاح الجو الاسرايئلي وعلى مراحل.
2. دلالة العدد: هذه الساحة وما يحيط بها من شوارع رئيسية اتسعت لاعداد هائلة من الجماهير فقد وصلت الاعداد لمستوى من الازدحام لا يمكن تخيله، وفاقت الاعداد قدرات الساحة الاستيعابية، وتجاوزت الحشود ما كان متوقعا من أن مئات الالاف ستشارك الى تجاوز المليونية باتم معنى الكلمة.
3. دلالة من يحكم من: الدلالة الرمزية لهذه الساحة بدأت تتعاظم كذلك على اعتبار ان هذه الساحة وتوافد الجماهير إليها قد يعطي معانٍ كبيرة حول من هو صاحب الشعبية والجماهيرية الكبرى في القطاع ومن هو القادر على حشد الجماهير. بالتالي فساحة السرايا هي ساحة عرض القوة، وهي مؤشر حقيقي لمدى شعبية حركة فتح ومنظمة التحرير. وحركة فتح ترى ان اقامة المهرجان في ساحة ارض السرايا وما نتج عن هذا المهرجان امر في غاية الأهمية والحيوية بالنسبة لها، فهي تعتقد ان ما يقارب المليون من جماهيرها وجماهير الحركة الوطنية الذين خرجوا لاحياء ذكرى انطلاقة الثورة الفلطسينية يمثلون استفتاءً على شعبية الحركة وخياراتها وبرامجها ورؤيتها وفكرها، وترى فتح كذلك ان منعها من اقامة المهرجان على ارض الكتيبة اكسبها مزيدا من التعاطف من قبل الجماهير ودفع الى مزيد من الحشود للخروج في مهرجان ارض السرايا.
4. دلالة الحضور الوطني رغم القمع والاقصاء: حشد الناس على أرض السرايا هو نقيض لرواية حماس التي لطالما ادعت انها صاحبت اليد الطولى شعبيا في قطاع غزة، والمهرجان جاء ليعطي حقيقة ساطعة مثل "قرص لشمس" بأن جماهير فتح وجماهير منظمة التحرير الفلسطينية تفوق باضعاف جماهير حماس وبشكل لا يقبل التأويل او التحايل عليه. فما حدث هو بمنتهى البساطة وبلا اي التباس عكس كل ما خططت له حماس لا تريد ان يظهر داخل قطاع غزة قوة تنافسها حتى لو رمزياً من حيث اعداد الجماهير المؤيدة لها، ولا تريد ان تخرج صورة تشير الى حجم وشعبية حركة فتح في القطاع، بل تريد ان تظل مسيطرة على المشهد الاعلامي الذي قدمته خلال مهرجانها الاخير والذي مثل اكبر حشد لحركة حماس منذ تأسيسها، الا ان مهرجان فتح جاء اكبر من حيث العدد باضعاف وكذلك اكثر عفويه واكثر تفاعلا من الناس والاوساط الشعبية معه.
5. دلالة الصبر: المهرجان جاء لتأكيد على حقيقة ان فتح صبرت على الظلم والقمع والدم والقتل وتحملت الكثير ولكن ايمان ابنائها لم يتزعزع وظلوا مخلصين لحركتهم ومنطلقاتها ونهجها.
6. دلالة قوة الشرعية: فتح تبعث برسائل قوية وحاسمة بان ارض غزة عادت لحض الشرعية الفلسطينية والتي تمثلها فتح ومنظمة التحرير، وان سنوات القمع قد ولت الى غير رجعة، ولن تستطيع حماس ان تسيطر على المارد الفتحاوي والوطني، فغزة عادت لحضن منظمة التحرير الفلسطينية دفعة واحدة، وهذا الحشد الهائل الذي تجاوز المليون الذي انجزته فتح في ذكرى انطلاقتها والتي صادفت مباشرة بعد انتهاء الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة وما تخلل هذه المعارك من صمود لقوى المقاومة الفلسطينية ودكها للعمق الاسرائيلي بشتى انواع الصواريخ وصولا لوقف اطلاق نار متبادل، وما تبع ذلك من انجاز سياسي بحصول فلسطين على دولة مراقب في الامم المتحدة.
7. دلالة السير نحو المصالحة: حركة فتح وعبر هذه الصورة تمهد الاجواء من اجل اجراء المصالحة، على اساس واقعي بعيدا عن الاوهام، وبالتالي فهي مستعدة للذهاب لمصالحة وما يعنيه ذلك من انتخابات تشريعية ورئاسية واعادة تفعيل منظمة التحرير وتشكيل حكومة جديدة، وحركة فتح ترى في المهرجان كنوع من التعبير على ان المصالحة قاب قوسين او ادنى وهي تدعو حماس الى القبول بمبدأ الشراكة ومغادرة أفكار الغاء الاخر بقوة السلاح، فحركة فتح أكبر من ان يتم تجاوزها او شطبها او اقصاؤها، وبالتالي من يقبل بمبدأ الشراكة والاحتكام الى الشعب عبر صناديق الاقتراع عليه ان يرتقي الى مستوى الطموحات، وان يترجم الاقوال الى افعال ولا يجوز ان يسهم بحالة التردي من خلال تكريس الانقسام والفرقة.
رسائل المهرجان الفتحاوي:
(1) رسالة سياسية نحو المستقبل: الدرس الحقيقي وراء مهرجان الانطلاقة في غزة يكمن بانه يجري لاول مرة بعد الانقلاب الذي قادته حماس عام 2007، وبعيداً عن اعداد المشاركين وحجمهم وبعيدا عن الرايات التي غطت المشهد على مدار اسبوع كامل من الفعاليات بلا توقف، فان هذا الجهد يجب ان يترجم باتجاه محاولة حثيثة لانقاذ المشروع الوطني الفلسطيني، من خلال اجراء سلسلة من الخطوات الهامة والضرورية ، كتابة دستور بتوافق وطني كامل بين كافة شركاء العقد الفلسطيني،الامر الذي يمكن من تحول النظام السياسي الفلسطيني الى نظام برلماني، ويعيد تجديد كل الشرعيات الفلسطينية في البلديات والمجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني ويعيد كذلك تجديد الشرعيات داخل الاحزاب والحركات وخصوصا الاطر القيادية ، والنقابات والهيئات والجمعيات والمؤسسات الاهية والخيرية والمهنية.
(2) رسائل فتحاوية دخلية: فتح حركة قوية وعصية على الكسر، وكل الرهانات على تراجع دور فتح ومكانتها وهيبتها هي رهانات خاسرة، ففتح كلمة سحرية توقد وتشعل الحماس في قلوب وعقول الفلسطينيين كونها الفكرة الاقرب والاكثر تعبيرا عن الوطنية والهوية الفلسطينية، وعلى فتح ان تعيد النظر في شكل العلاقات الفتحاوية الداخلية، وان ترمم ما اصاب هذه العلاقات من خلل، وان تستجيب قيادة الحركة للرسائل الواضحة والمبطنه والضمنية التي حاولت جماهير ارض السرايا ارسالها لقيادة الحركة، فلم يعد مقبولا ان يجري اقصاء وتهميش جزء كبير من ابناء الحركة، وعلى فتح ان تعيد تجديد القيادات للاطر التنظيمية عبر اجراء انتخابات ديمقراطية كفيلة بان تجدد الدماء في عروق هذه الحركة الديناميكية.
(3) رسالة الى حماس: كل سنوات القمع والتنكيل والكبت والتضليل الاعلامي لم تنجح في حشر حركة فتح، بل ان حركة فتح اكبر مما تخيلت قيادة حماس بل وزادت شعبيتها وجماهيرها، وهي صاحبة اليد الطولى في قطاع غزة، وهي ام الجماهير بكل اقتدار وجدارة.
وبدون مبالغات فان الجماهير التي خرجت اليوم، خرجت لتقول بانها ليست مع استفراد حماس في حكم واختطاف قطاع غزة، وهذه الجماهير التي اعطت صوتها لحماس في انتخابات 2006 هي ذاتها تسحب الشرعية من حماس عبر استفتاء جماهيري علني لا يقبل التأويل.
(4) رسالة الى العرب: هذه الجماهير تستحق وقفه حقيقية من قبلكم، تستحق نصرتكم، ففي الوقت الذي تحاصر اسرائيل الشعب الفلطسيني وتحتجز امواله بقصد تركيعه وجعله يتراجع عن المضي قدما في تكريس الدولة امرا واقعا، على العرب ان لا يتركوا الفلسطيني وحده، وان يحققوا ما تم الوعد به من شبكة امان عربية للمرور نحو المستقبل بكل امان.
(5) رسالة الى الامريكان: الحركات الوطنية العربية والفلسطينية موجودة ولن تستطيعوا تزيف التاريخ والواقع ، ونظام التحالفات الذي تقومون بانجازه مع حركات الاسلام السياسي لن يجدي نفعا امام حالة المد الجماهيري للقوى الوطنية والليبرالية والعقلانية.
(6) رسالة الى كل احرار العالم : لا زالت فتح ماضية بمشروعها التحرري الوطني، وهي حركة امنت بالجماهير والتصقت بها، لذلك فهي تجاوزت كل المؤامرات الكونية التي احيكت ضدها وهي تعبر الى بر الامان بكل صلابة وقوة.
ملاحظات ختامية :
1. انطلاقة فتح: كلمة فتح اختصار معكوس لحركة التحرير الوطني الفلسطيني، هي جزء رئيسي من الطيف السياسي الفلسطيني وأكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، تعتبر في يسار الوسط. وهي حركة وطنية أعلنت انطلاقتها في 1 يناير 1965، "يوم تفجر الثورة الفلسطينية" ، حيث تحركت مجموعات العاصفة وضربت اهدافا للاحتلال الاسرائيلي.
2. ارض الكتيبة: المكان الذي اقامت حركة حماس مهرجان انطلاقتها ويبلغ مساحته 25 دونم، وهو يتوسط مدينة غزة.
3. ارض السرايا: السرايا تقع في وسط مدينة غزة وفى المنطقة الحيوية والإستراتيجية لقلب المدينة، تبلغ مساحتها 54 دونم، هي مجمع قديم للمؤسسات الحكومية والامنية التي تم تمدميرها من قبل اله الحرب الاسرئيلية وسويت المباني بالارض، ويحيط بارض السرايا شوارع رئيسية حيوية وخصوصا شارع الجلاء والوحدة وعمر المختار ..الخ.
· كاتب وباحث فلسطيني