تعليلات رديئة- عدلي صادق
ما تزال تترى، ردود الأفعال ذات التعليلات الرديئة، بعد مليونية احتفال «الإنطلاقة» في غزة. بعض هذه الردود، يُغري بالتطرق الى مصدرها كشخص وإسم، بينما نحن ماكثون في الموضوعات، ولا نرغب في التطرق للأشخاص، ولا في وضع مقاربات لأسباب ما يعبرون عنه من حقد معقّد، له شروحاته، وبخاصة عندما تصدر التعليلات الرديئة، عن مستفيدين سابقين وفوريين، من السلطة ومن حركة «فتح» التي لم تقصر معهم في شيء ولم تدقق لا في مقاصدهم ولا في انتماءاتهم!
معظم الحمساويين أظهروا تأدباً واحتراماً لواقعة مهرجان «فتح» المليوني.
ومن نشأت غصة في داخله، تحامل على نفسه فعفَّ وكَتَم. وهذا ما نأنسه ممن يتأدبون بتقاليد العمل الوطني الفلسطيني، ونقيضه هو ما كنا نستهجنه ممن حادوا عن التقاليد.
أما الذين صدمتهم واقعة المهرجان المليوني، ورأوا فيها إخفاقاً لحركة «حماس» في تجربة حكمها لغزة، فاندفعوا الى تعليلات رديئة؛ فإنهم يهربون من الواقع، ولا نريد أن ننـزلق الى توصيفات أخرى أو ننتقل من الموضوعي الى الشخصي. أحد هؤلاء يصف حركة «فتح» بأنها نجحت في تمرير كذبها ودجلها.
إن هذا تعليل مثير للسخرية لأسباب كثيرة، من بينها أن حركة «فتح» لم تطرح نفسها كحركة ربانية، لكي يتبدى الدجل لمجرد ظهور علامات تؤكد على كونها حركة بشرية (ولا نقول شيطانية في العديد من ممارسات الحكم، مراعاة لمناخ المصالحة).
وحركة «فتح» لم تستفرد بالناس، في الضفة وغزة، فكرياً، بكل محمولات الوعظ الديني، المشبعة باتهامات بأغلظ الأيمان، تؤكد على أن الطرف الآخر مارق وخائن ونديم الذميم الأمريكي «كيث دايتون».
فقد تركت «فتح» الميدان في غزة لأم احديدان، لكن الناس عافت الست أم احديدان وهذا أمر لا يأتي من فراغ!
حركة «فتح» لم تقل للناس، إنها المقاومة المسلحة المستمرة، برنامجاً وإطلاقاً، ولا تثاؤب ولا راحة ولا وقفاً للنار في كل الظروف، ثم قدمت للناس نصراً على قاعدة وقف مقابل وقف لإطلاق النار، وإن ظل «برنامج» المقاومة على الألسن، يثير همسات النمامين!
صحيح إن حركة «فتح» لديها مشكلات، حسب ما جاء في أحد التعليلات. لكن الصحيح أيضاً، إن من بين أعراض مشكلاتها، ما يجعلها غير قادرة على ممارسة الخداع.
فإن حاول عضو منها أن ينصب حتى على طرف أجنبي ـ فما بالنا بالطرف الفلسطيني ـ تتداعى له سائر الأعضاء الفتحاوية بالسهر على كشف لعبته وإفشالها.
أما إخواننا من معسكر السمع والطاعة؛ فإن تعجل عضو ناطق منهم، في قول شيء مخادع أو مضلل لا يصدقه عقل، وقد تمنى هو نفسه لو أنه لم ينطق به؛ فإن سائر الأعضاء تتداعى له بالسهر والحمى مع القسم بأغلظ الأيمان، أن ما قاله أخوهم هو الحق كل الحق!
نحن في حركة «فتح» بساطنا أحمدي وطبيعيون، لم نسع الى تحزيب جامع ولا الى تحزيب مدرسة ولا الى إفساد علاقة اجتماعية على قاعدة انتماء سياسي، ولا الى تخوين الناس وشيطنتها ولا الى أخذها بالجملة. ولم نسع الى تخبئة عورة ولا نكران فعل شائن. نفضح أنفسنا بأنفسنا.
وليدلني واحد، على جملة حمساوية واحدة، قيلت علناً، تنتقد فعلاً رديئاً لـ «حماس» لكي أعرض عليه ألف مقالة فتحاوية تنتقد أفعالاً رديئة لحركة «فتح» والسلطة.
إن رسول الله عليه السلام، دعا للاعتراف بالخطأ والى التوبة عنه، وهو القائل: «كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون». فهل يدلني واحد، على حديث عن خطأ اقترفته «حماس» ذي علاقة بهمسات الناس وانطباعاتها؟! كأنها منزهة عن الخطأ، معصومة، لا تخرج عن النص، وأفرادها «مصاحف متحركة» مثلما بالغ سيد قطب في وصف الربانيين!
نحن في «فتح» نعتبر تخوين المجاميع والجزم بعمالتهم وبانتهاء صلاحيتهم الوطنية والإنسانية؛ إعلاءً من شأن العدو وقولاً يفرحه ويزيده غروراً، بل إن من يفعل ذلك عندنا نشتبه في أمره، ونرى في قوله دسيسة تنتمي الى صنف الجوسسة.
إننا لا نغالي في انتماء، بل إن حركتنا ليست بديلاً لانتمائنا الأعمق لمجتمعنا. بالتالي لم نضرب شاباً برصاصة لتفتيت عظام مفصلي اليد والقدم مجتمعين أو كل منهما منفصلاً برصاصة.
لم نضرب منزلاً بقذائف مضادة للدروع، ولم نرمِ جثة ضحية، على المزابل، ولم ندع لانتقام، ولم نقتل جريحاً ولا أسيراً محرراً ولا ضحية سقطت برصاص بعضنا القليل، في غير حال الدفاع الاضطراري عن النفس، وقد أحزننا سقوطها ولم نبتهج به ولم يصرخ خطيب منا، في مدح القتل والاقتتال!
لهذا كله، ولغيره، خرج الناس في غزة. في هذه المرة، احتفل بذكرى انطلاقة الحركة الوطنية 80% من المقيمين في غزة، وستأتي الأيام، ليحتفل 80% من المقيمين في «حماس» نفسها، لأن بساطنا أحمدي!
التعليل الجيّد، هو الذي استند الى ملاحظات واقعية، أهمها أن الفلسطينيين أذكياء، وأنهم لا يُخدعون، وأن المسلمين الذين يعايشون حكماً ـ أي حكم ـ يقيسون الأفعال على دينهم وعلى الشرع الحنيف، وليس على أقوال الخطباء وعلى فتاوى الفتنة والعنف والتغالظ مع الأخ الشقيق!
ثمة قائل، ماذا حققت «فتح» من أهدافها. إن «فتح» سعت وقدم شعبها في مسيرتها قوافل من الشهداء. كان العدو وما يزال، هو أمريكا والعالم.
سنظلم الأمتين العربية والإسلامية، ومعها الحركة القومية، إن سألنا ماذا حققت الأمتان، ومعهما الحركات القومية والجماعات الإسلامية، لأولى القبلتين وثالث الحرمين، على مر الصراع الذي يخصهما مثلما يخصنا؟
على الأقل، نحن سنقول إننا ما زلنا على الدرب، وقد سقط منا الشهداء، ورحل الراحلون على أمنية وعلى عزم، أورثوهما للأجيال، وهذا هو سر تعلق الناس بحركتها الوطنية!
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com