الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حواجز نابلس    لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتاريخهم    شهداء في قصف الاحتلال منازل مواطنين في مدينة غزة    3 شهداء و10 مصابين في قصف الاحتلال شقة غرب غزة    الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين    فتح منطقة الشهيد عز الدين القسام الأولى والثانية إقليم جنين تستنكر قتل خارجين على القانون مواطنة داخل المدينة    استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله  

نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله

الآن

من «الرفاق» إلى «الإخوان»... فمتى المواطن؟- بطرس الحلاق


اعتلى السيد محمد مرسي سدة الرئاسة بفارق بسيط لا يتعدى الواحد بالمئة من الناخبين. هكذا استلم «الإخوان المسلمون» مقاليد السلطة في مصر لأول مرة في تاريخهم، بعد فترة طويلة من التهميش والاضطهاد. وُضعوا على المحك، لكي يثبتوا جدارتهم بتسيير دفة بلد عريق متنوع المشارب. وكنت ممن تمنى لهم النجاح، حتى يهتدي المجتمع المصري إلى مسار ديموقراطي سليم، لم تقم «ثورة الخامس والعشرين من يناير» إلا في سبيل تحقيقه.

من «الشطارة» الى «التشاطر»
غير أن الرئيس مرسي أسرع في الكشف عن نواياه الحقيقية، فاختصر لنا الطريق. استطاع أن يستفيد من أول فرصة سنحت له - هي أحداث سيناء التي أوقعت أكثر من عشرين ضحية بين أفراد الجيش - ليرسّخ موقعه بإزاحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن السلطة، فجمع في يده ثلاثة مرافق رئيسة: السلطات التنفيذية والتشريعية والعسكرية. أتت مبادرته تلك «ضربة معلم» فاجأت الجميع، ففرض هيبته. لم يبك الكثيرون على «الفريق» وأعوانه، وغض النـاس النظر عن مساومات قامت بين «الفريق» و «الأخ»، ضمنت للعسكريين بعض المكاسب، أبرزها عدم تعرضهم للمحاكمة، وبالطبع تأجيل محاكمة الرئيـس المخـلوع إلى ما شاء الله، بانتظار أن يسترد اللـه وديعـته. إلا أنه، حين حاول تكرار «ضربته» للمرة الثانية، بعد نجاحه في دور الوسيط في أحداث غزة، فسعى إلى التحكم في مصير مصر بفرض دستور أحادي، فضح نواياه بشكل نهائي. اتضح للجميع إذّاك انه، بدل أن يتسامى إلى مسؤولياته الوطنية كرئيس للمواطنين كافة، ظلّ مُصرّا على فرض إيديولوجية «الإخوان» على عموم مصر.
لم تكن مهارة السيد مرسي السياسية إلا تكتيكا رخيصا، أو «شطارة» واهية تشبه «شطارة» الحكم المنقرض. فها نحن انتقلنا من «شطارة» الفريق الذي خلف الرئيس المخلوع إلى «تشاطر» «الأخ» الأكبر، وذلك على حساب المواطن الذي حُرم من ثورته.

من «الرفيق/الفريق» إلى «الأخ المسلم»
طوال العقود الخمسة الماضية. صادر «الرفاق» الثورات العربية كلها، وإن بصيغ مختلفة. استأثروا بالحكم بعد أن انقاد لهم الجيش. فكان منهم «الرفيق» و«الفريق»، وقام حكم الرفيق/الفريق على حساب المواطن. بقيت هذه التركيبة المستحدثة وفية لمبدأ الاستئثار بالسلطة، وإن تبدلت، بتبدل الظروف، فلسفتها الاقتصادية والاجتماعية، من دون أن تحيد في مختلف أحوالها عن معيار ثابت ذي ذي وجهين: الفساد والفئوية. ذلك كان مسار الرفاق البعثيين في سورية والعراق في ظل اشتراكية الدولة، كما في ظل الليبرالية الرأسمالية المتوحشة. وقد حصل ما يشبهه في جنوب اليمن إلى حين أجله. أما في الجزائر فقد قام، بعد فترة وجيزة من الحكم المدني، حكم الرفيق/الفريق، منتقلا من اشتراكية هشة إلى رأسمالية فظة، حتى استقر بعد الحرب الأهلية وحتى يومنا الراهن على أولوية الفريق الذي يتخذ من الرفيق واجهة له. حتى الثورة المصرية الرائدة بالذات لم تدم طويلا على منطقها الوطني الشعبي، بالرغم من كاريزما عبد الناصر، إذ آلت في النهاية إلى رفيق/فريق، انتقل بسرعة البرق إلى ليبرالية همجية. وإن كان للثورة الفلسطينية خصوصيتها، فإن مآلها لم يختلف كثيرا عن مآل غيرها. وكذا القول عن حكم بورقيبة الذي، رغم تميزه بوعي تاريخي لمقتضيات العصر، بقي وفيا لمنطق الاستئثار بالحكم، إلى أن وقع كالثمرة الناضجة في يد الجنرال. وها هم «الإخوان» يصلون الآن إلى حكم مصر وتونس على أكتاف ثورة لا تدين لهم بشيء.
ومع أنهم يتمتعون بشرعية حقيقية، تخولهم أن يسلكوا مسارا يرضي المواطن الذي قام بالثورة أو ساندها، سرعان ما أثبتوا أنهم لا يحفلون بوعي الشبيبة التي أطلقت الثورة، وأن همهم الوحيد هو الوفاء لمبدأ «الرفيق/الفريق» القائم على الاستئثار بالحكم، وأوغلوا في الوفاء، فسعوا إلى سكب هذا المبدأ في قالب من فولاذ، بإسناده إلى شرعية إلهية مِدّعاة. فاكتمل طور «الرفيق/الفريق» بحكم «الأخ المسلم»». هكذا تدول الدول وتبقى جرثومة الطغيان طاغية. فمن يكسر هذا المنطق الجنائزي الجنوني... إلا إرادة المواطن بالتحرر. إرادة لا تزال في مصر صلبة واعية متيقظة من الانزلاق إلى مطبات مميتة، أخطرها الحرب الأهلية. إرادة لا تزال قائمة في تونس المنفتحة على آفاق العصر، ولا تزال تدهشنا في اليمن بوعيها السلمي.

« جلالته» و«سموّه» رديف للمواطن أم خصم؟
صفا الجو لجلالته وسموّه بعد هزيمة حزيران، فتمددا على حساب الرفاق، وكادا بعد حربي الخليج أن يسيطرا على سائر مرافق المجتمعات العربية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لا سيما ثقافيا وعقائديا. حين فاجأتهما «ثورات الربيع العربي»، أدركا عن حق أن امتدادها الطبيعي سيطيحهما حتما في نهاية المطاف. فانبريا لمناهضتها: بالقمع المباشر حين تيسرت لهما سبله، كما في البحرين؛ بالمداورة، كما في اليمن؛ باعتماد بديل عسكري مطواع، كما في مصر. وحين انتصرت الثورة في كل من تونس ومصر، سعيا إلى تنصيب ربيبهما، «الإخوان المسلمين»، بغية القضاء نهائيا على جرثومة الثورة. ومع أنهما حققا بعض المكاسب في مرحلة أولى، إلا أنهما لم يستطيعا أن يقضيا على جذوة الثورة. ولا شك أن حيوية المجتمعين المصري والتونسي قادرة، مهما تلكّأ الزمن، أن تعيد إلى المواطن مقاليد ثورته.
أما في سورية الرازحة تحت وطأة حكم تميز عن أقرانه بعبقرية التدمير، فقد وجد جلالته وسموه شريكا نجيبا لمشروعهما النبيل، هو النظام القائم ذاته. فما إن استطاع هذا النظام إنهاك الحراك المدني السلمي، حتى بادرا إلى تحـويل هذا الحراك إلى مـقاومة مسلـحة، هي جل ما ابتغـاه النـظام ليمنح نفسه شرعية التصدي للإرهاب، تماما كما سبق له أن فعل بعد أحداث حماه. فكان أن نصّبته السياسة الغربية حصنا منيعا في وجه «القوى الظلامية»، وأُوكِلت المهمةُ في بداية الأمر لـ«الإخوان المسلمين»، بعد أن اصطنعا لهم «واجهة مقبولة» هي «المجلس الوطني».
فاستغل المتطرفون الدينيون الإقصائيون هذه الفرصة، التي كانوا يتحينونها منذ سنوات، لينخرطوا في العمل المسلح. كما استفادوا من انشقاق عسكريين وطنيين عن «جيش النظام» (انشقاق لم ير فيه النظام إلا تأكيدا لمنطق الحراك «الإرهابي») فاندسوا في صفوف بعض وحداته كما فعل مقاومون مدنيون آخرون، من دون أن يكون لهؤلاء العسكريين القدرة على ضبط العمل الميداني. وفي الوقت نفسه، قاوم «المجلس» - ومن ورائه وليا أمره، جلالته وسموه - كل محاولة لترشيد المقاومة بتوحيد صفوف المعارضة سياسيا وعسكريا تجنبا للحرب الأهلية. بل رفض كل مطالبة ببرنامج عمل للمرحلة الانتقالية فضلا عن كل ميثاق يرسم صورة سورية المقبلة، فيما بقي يطالب بالتسلح وبالتدخل الخارجي. ثم أتى «الائتلاف الوطني» خلفا للمجلس المنهار، فتبدل الخطاب بتبدل الوجوه ولم يتغير شيء في الممارسة العملية. فالكلمة للسلاح وأما الخطة فيقررها من يعطي السلاح. وتبعه «المجلس العسكري» بصيغة مختلفة عن الصيغ الوطنية المطروحة سابقا. هكذا تحكّم جلالته وسموه بالمقاومة للنظام، وفق معيارين متكاملين: الأول تغييب المنطق السياسي ومن يمثله بتأجيله إلى ما بعد الحسم. والثاني خطف القرارين العسكري والسياسي من القوى الداخلية ووضعه بين يدي وليي الأمر المتنافسين في ما بينهما، والمدعومين من قبل دول غربية هي غالبا مدينة لهما باستثمار رؤوس أموالهما في اقتصاداتها المنهارة. يختلف الوليان في أمور كثيرة، ومنها الموقف من المتطرفين الإسلاميين، ولكنهما يتفقان على أمر جوهري: إسقاط النظام بالسلاح ليتمكن المنتصر (الإخوان المسلمون) من تسلم زمام السلطة في بلد مدمر لا يستطيع أن ينهض إلا بمساعدة خارجية. بلد فاقد عمليا القدرة على القيام بأي دور فعال.

أسئلة المصالح
إذا نجح جلالته وسموّه في فرض خطتهما، فهل يعقل أن يأتي ذلك لمصلحة المواطن الذي بادر إلى الثورة المدنية السلمية؟ وهل يصح أن يقتنع أحد بأن أميرا يحكم بالسجن المؤبد على شاعر بسبب قصيدة، أو ملكا يحجب المرأة ويقود الناس إلى الصلاة عنوة، قادر على إحلال الديموقراطية؟ الخطر لم يعد يكمن في الرفيق/الفريق، بل في جلالته وسموه وهما دعامة «الأخ». وبالتالي، لن يأتي عصر المواطنة إلا حين ينتزع المواطن السلطة من أيدي صاحبي الفضل والنعم المذكورين، ليقرر مصيره بنفسه. وحذارِ من الاعتماد على السياسة الدولية، ديموقراطية كانت أو غير ديموقراطية، فالمتحكم في سياسة الدول هو المصلحة التي لا علاقة لها على الإطلاق بالقيم.
ليس للمجتمع المدني أن يعتمد إلا على قواه أولا، ثم على مجتمعات مدنية أخرى قادرة على التضامن معه.
فعسى أن يقوى «الائتلاف الوطني» مع «المجلس العسكري» - بمن فيهما من قوى وطنية - على التحكم بالقرار الوطني لبناء الوطن الموحد وحقن دماء الأهل. هذا ما نرجوه للوطن ولهم بالذات، لئلا يدخلوا التاريخ من أسوأ أبوابه.
قد تكون هذه هي المعركة الحاسمة في فتح أبواب المستقبل أمام شعوبنا العربية، المتخلفة عن ركب سارت به شعوب أقل منها حظا في الثروة والفكر. وعلى المثقف اليوم أن يراجع حساباته وأخلاقياته على ضوء وعي الشبيبة الرائع.
فالتحية لها والشكر، كما لشعب تونس ومصر واليمن، طليعة تحررنا.

 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025