جماعة «الإخوان» وقضية فلسطين- الياس سحاب
السيد عصام العريان قيادي اخواني مصري، اصبح يحتل بعد تطورات الاوضاع في مصر في السنتين الاخيرتين منصبين، أحدهما نائب لرئيس حزب «الحرية والعدالة»، المعبر السياسي عن حركة «الاخوان المسلمين» في مصر، والثاني مستشار سياسي لرئيس جمهورية مصر محمد مرسي. اي ان اياً من هذين المنصبين، لا يسمح للسيد العريان بالإدلاء بآراء سياسية تلزم الدولة المصرية، في اي قضية من القضايا، خاصة اذا كانت قضية حساسة مثل قضية فلسطين.
ومع ذلك فقد خرج علينا السيد العريان بموقف شديد الغرابة وشديد الاجتزاء، على صلة مباشرة بقضية فلسطين، عندما دعا المصريين من يهود اسرائيل للعودة الى مصر، واستعادة املاكهم المصادرة، داعماً هذه الدعوة بفتوى يحمل فيها جمال عبد الناصر مسؤولية هجرة هؤلاء من مصر الى فلسطين المحتلة. ملخصاً هذه الدعوة الشديدة الوضوح والتحديد، بدعوة عائمة تتحدث عن عودة ما للفلسطينيين الى بلدهم.
ان موقفا بهذا الهزال والسطحية في تناول الحقائق التاريخية لقضية فلسطين، لا يعدو كونه استدراجا رخيصا للدعم السياسي لدولة الولايات المتحدة، والقوى الصهيونية النافذة فيها.
نقول ذلك ونحن نستعيد موقف الشعوب العربية والانظمة العربية من اليهود العرب في النصف الاول من القرن الماضي، عندما كان الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية على وشك استكمال مشروع اغتصاب عروبة فلسطين لإنشاء الكيان الصهيوني فيها مجسداً بدولة اسرائيل.
في تلك الايام، وعندما كانت الحركة الصهيونية، كما أثبتت الوثائق التاريخية، تتعاون مع النظام النازي لهتلر، لاستكمال تهجير اليهود الالمان الى فلسطين، كان اليهود العرب يتمتعون بحياتهم الطبيعية في كل من مصر والعراق وسورية، وسائر البلاد العربية، على الصعيدين الشعبي والرسمي.
ولو أخذنا مصر مثالاً على ذلك، استذكرنا كيف ان لجنة صياغة دستور مصر لعام 1923 (بعد ثورة 1919 الشعبية)، كان فيها ثلاثة أعضاء من يهود مصر، وكيف أن عدداً من اشهر نجوم الفن العربي في مصر كانوا من اليهود العرب المتمتعين الى جانب حقوقهم الكاملة كمواطنين عرب، بحب جارف من الجماهير العربية، التي لم يسجل عليها حادثة واحدة تشير من قريب أو بعيد الى مواقف عنصرية من اولئك الفنانين اليهود العرب، من امثال الموسيقار داود حسني والمطرب زكي مراد، وأولاده ليلى مراد ومنير مراد. وكان الموسيقار محمد عبد الوهاب، قد اختار اليهودية المصرية ليلى مراد لبطولة فيلمه الثالث «يحيا الحب» ثم اليهودية راقية ابراهيم لبطولة فيلمه السادس «رصاصة في القلب»، وذلك قبل أربع سنوات فقط من انشاء دولة اسرائيل. من دون ان تصدر عن النقاد او الجماهير، اي اشارة تستنكر اختيار هاتين النجمتين من اليهود العرب.
وبعد ان قامت دولة اسرائيل، كانت اسرائيل تجد صعوبة في دفع اليهود العرب الى الهجرة من بلادهم الاصلية الى فلسطين المحتلة، فعمدت، كما أثبتت الوثائق التاريخية، على يد جهاز الاستخبارات الصهيونية، بتنظيم عمليات تفجير في المعابد اليهودية العراقية، ثم ورطت بعض يهود مصر في عمليات التفجير التي حملت اسم قضية «لانون»، حتى تخرب علاقة يهود البلاد العربية بأوطانهم الاصلية وتدفعهم للهجرة الى اسرائيل.
ان معالجة هذه القضية الفرعية لا تتم بتصريح عنتري تبرع فيه السيد عصام العريان باستعادة يهود مصر الذين لم يكن عبد الناصر هو الذي هجرهم قسراً، بل تتم المعالجة بتفكيك العقيدة الصهيونية العنصرية (تماماً كما تم تفكيك النظام العنصري في جنوب افريقيا)، حتى تنفتح الأبواب الموصدة امام عودة جميع الفلسطينيين الى وطنهم الذي هجروا منه قسراً في العامين 1948 و1967، ثم بعد ذلك، يمكن الحديث عن عودة من يحب من اليهود العرب الى وطنه الاصلي. اما الحديث عن هذا التفصيل كأنه أساس قضية فلسطين فهو عبث لا يشبهه الا التصريحات المناقضة للسيد محمد مرسي، عندما كان مرشحاً للرئاسة، وأراد استدراج اصوات اقصى عدد من الناخبين، فتورط بموقف عنصري وصف فيه اليهود، عموماً، بأنهم احفاد القردة والخنازير.
تخبط السيد عصام العريان فيه استدرار لعطف الادارة الاميركية وصندوق النقد الدولي، وتخبط السيد محمد مرسي فيه استدرار لأصوات الناخبين ذوي الثقافة المحدودة، وليس باي من هذين الموقفين تعالج جذور قضية فلسطين وليس لأي ناطق باسم جماعة «الاخوان»، لا يتمتع بأي صفة رسمية، أن يورط الدولة المصرية بمواقف مشوهة من قضية كبرى وحساسة كقضية فلسطين.