باب الشمس: عسف التاريخ وعنف الواقع- عدلي صادق
في الحقيقة، لم أقف على شيء من إرهاصات الفعل الإبداعي المقاوم، الذي طَرَح في هذه اللُجة السياسية والاقتصادية، وحتى في هذا الخضم المناخي الراهن؛ فكرة التشبث الفعلي بالأرض، في شكل استيطان مضاد، يضطلع به أصحاب الأرض، بمؤازرة بعض ضيوفهم ومناصري حريتهم وحقهم.
ولا أدري إن كان ثمة صلة، بين التسمية ـ من حيث دلالتها ـ مع عنوان الرواية البديعة «باب الشمس» التي خطها قلم إلياس خوري قبل نحو خمس عشرة سنة. فقد كان إلياس وزملاء آخرون وأنا، نتناوب على زاوية الصفحة الأخيرة من «القدس العربي» عندما أصدر الياس الفتحاوي اللبناني القديم «باب الشمس» لتقدم عينات روائية من الحكاية الفلسطينية. وقد اطلعت بعد سنوات، على مراجعة لبحث ماجستير أعد في جامعة النجاح، للفلسطينية أمل أبو حنيش، حول «باب الشمس» كمجموعة حكايات متراصة مثل خيوط النسيج، ترسم سجادة الرواية الفلسطينية الكاملة وتوحي بخفاياها. فاللقطة والواقعة الجَلَل، في تاريخنا وفي الحياة الفلسطينية، وفي خضم هذه المغالبة الأسطورية للتنين الاستعماري الكريه، المتجبر بالسلاح؛ تلد لقطات ووقائع وغرائب، يمكن أن يتدفق بها الراوي، خارج حدود ما يروي وخارج الورق، وأن يتذكرها القارئ، خارج أسماء وعلائم ما يقرأ، وخارج زمن الرواية. فالتاريخ ممتد، والأحداث جِسام، والعدو لا حدود لصفاقته ولا لتحلله من أي إحساس بالعدالة. وكل شيء في أيامنا بالشيء يُذكر!
* * *
مثلما كتبت أمل أبو حنيش حول التناصّ، في العمل الروائي لإلياس خوري، فإن الفعل الإبداعي المقاوم، للكوكبة التي بادرت الى تأسيس نواة القرية الجديدة، المُشمسة تحت سماء ملبدة، وفكرتها، يتمثل تاريخاً من التجارب، لا يصح بعده سوى استثارة كل حيثيات الحقيقة بمواقف على الأرض، لا ولن يأتيها الباطل من يمين أو شمال، ولن يكون بمقدور الكاذبين المحتلين، وصفها بأية صفة شائنة، يتقزز منها «المتحضرون» الذين يساندون ظلاميين، حتى وهم يرونهم بأم العين، كيف يتطفلون على أرض الناس وعلى مصائرها، ويستلبون حق الآدميين الفلسطينيين كله، وحرية البشر الماكثين على أرضهم، ويعتدون على أمن وكرامة شعب صمم على نيل حقه وعلى الاستقلال!
ومثلما تماهى النص في «باب الشمس» مع ملاحم وأشعار خالدة، ومع تحقيقات صحفية تتعلق بفظائع وجرائم، وببواكير أعمال أدبية، كانت بمثابة إرهاصات ثقافية للثورة؛ فإن هذه الكوكبة من المقاومين السلميين، تسعى لأن تواجه العنف والعسف، في التاريخ وفي الحاضر، بعرض حي لومضة من الحب والحياة. فعلى هذه الأرض التي نعشق، يتجدد بقاؤنا. وعلى الرغم من الريح الباردة والإعصار والأمطار وجفاء الشقيق، فإننا نمتلك الهمّة لأن نؤسس للمزيد من نواميس العيش على أرضنا. فنحن أصحاب الحق فيها، ولا استطالة لاستيطانهم السفيه اللاشرعي والعنصري، دون اعتراضنا باللحم الحي، وبأشكال التحقق الأولى في الوطن، من سقائف وشقوق في الصخر ونتوءات في الأرض.
المحتلون يستدعون في هذه اللحظات، فائض القوة العسكرية المدججة بالسلاح، للإجهاز على ومضة الحياة في «باب الشمس». ومثلما تهجم الـ «F16» التي يمتلكونها على عربة كارو في غزة، فمن المتوقع أن يهجم الجيش نفسه، على «باب الشمس» بكل براءتها وسلميتها، وباختزالها للمعرفة بالتاريخ وبقيم السلام وبكل إصرارها على كراهية الموت والانتصار للحياة!
إن هجموا، سترتسم معادلة جديدة: جيش يزهو بقوته الضاربة، يخوض حرباً ضد نواة قرية، يقيمها أهل الأرض في وطنهم. عندئذٍ سيعرف القاصي والداني، وبخاصة «المتحضرون» الذين يساندون الظلاميين؛ أن حرب الجيش ضد عربة يتحرك بها شخص مُقعد، أو ضد منزل يأوي أسرة مقاوم، أو ضد نواة قرية؛ هي كلها حروب مخزية لمن يشنونها، قد آن الأوان، لأن تصبح مخزية لمن يساندونهم، وكاشفة حالقة فاضحة. إن أولئك الذين يقتلعون «باب الشمس» هم ممثلو العتمة والموت، لكنهم مهما فعلوا، لن يغلبوا الشمس والحياة!
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com