المرأة الفلسطينية ضحية الاحتلال والنزاع المسلح- آمال شحادة
أصبحت المرأة الفلسطينية في غزة الضحية الكبرى للنزاع المسلح الذي يشهده القطاع. وسجلت منذ عام ألفين وحتى العملية الإسرائيلية الأخيرة «عمود السحاب» رقماً قياسياً يعكس عمق المأساة التي تعيشها الفلسطينية، امرأة أو شابة أو طفلة، فإذا لم تسقط شهيدة أو مصابة، فهي أمُّ أو زوجةُ شهيد أو مصاب أو صاحبة بيت مدمر. وتشير المعطيات إلى أن بين 89 ألفاً و696 فلسطينية يعشن داخل بيوت مدمرة، 418 شهيدة و 190 طفلة شهيدة و1798 فقدن أزواجهن.
سحر ونسمة أبو زور قتلتا في عملية «عمود السحاب» بعد أن قصفت صواريخ الجيش الإسرائيلي المبنى الذي كانتا فيه مع بقية أفراد العائلة، وقتل إلى جانبهما الطفل محمد أبو زور وعاهد القطاطي وأصيب 18 فلسطينياً. نسمة استشهدت عند الثالثة فجراً، وهي تهرب محتضنة طفلتها روان. زوجها سعدي لم يستفق بعد من مأساته، لكنه لم يتردد في الحديث عن تفاصيل مأساة عائلته وفقدان زوجته وقريبته سحر مركز «الميزان» الذي أعد ورقة حقائق تحت عنوان «النساء والنزاع المسلح».
ويروي سعدي قائلاً: «كنت نائماً في غرفتي في الطبقة الثالثة من منزل العائلة والى جانبي نامت زوجتي وطفلاي. فجأة استيقظت على صوت انفجار شديد، كان مصدره منزل جيراننا ثم سمعت صوت تحطم زجاج غرفتنا وشعرت بشظايا الزجاج ترتطم بوجهي... وبعد دقيقة تقريباً وقع انفجار آخر ضخم ورأيت ضوءاً أصفر في غرفتي، فشعرت أن شيئاً اخترق سريري ونزل إلى شقة أخي إياد في الطبقة الثانية من المنزل... شاهدت جهاز التلفاز يسقط على رأس زوجتي، ثم أغمي علي واستفقت على أهلي يحملونني وينزلونني وزوجتي وطفليّ إلى شقة أهلي في الطبقة الأولى من المنزل، عندها فتحنا باب المنزل الرئيسي لنهرب وكانت زوجتي تحمل ابنتي روان، فصعدت إلى الطبقة الثانية، وفجاة وقع انفجار كبير جداً في محيط منزلنا فشعرت أنني ارتفعت في الهواء وارتطمت بباب منزل أحد الجيران، فصرخت بشكل جنوني ثم ذهبت مباشرة إلى منزل عمي لأطمئن على زوجتي وابنتي، وكان الغبار يخرج من البيوت الثلاثة فسمعت صوت صراخ حاد». ويتابع بحسرة: «صرخت أنادي على ابنتي وزوجتي ولم أستطع رؤيتهما بسبب الغبار المتطاير. كنت أسمع أصواتاً فقط، وبعد دقائق قليلة وعندما هدأ الغبار بحثت عنهما فوجدت ابنتي فوق لوح صفيح على سقف إحدى الغرف فحملتها بين ذراعي وكانت تنزف دماً من رأسها ولا أدري كيف أغمي علي حتى استفقت في المستشفى وعلمت أن زوجتي استشهدت وكذلك زوجة ابن عمي سحر وجارنا عاهد القطاطي».
نسمة واحدة من 418 فلسطينية استشهدن بنيران الاحتلال الإسرائيلي، وخلف كل واحدة منهن مأساة تنعكس في كل بيت من بيوت هؤلاء الفلسطينيات. وورقة الحقائق التي أعدها مركز «الميزان» تعكس المزيد والمزيد من هذه المآسي من خلال استعراضه الانتهاكات الإسرائيلية التي تتعرض لها النساء والإناث الفلسطينيات.
وتمثل النساء ضحية لكل عدوان مباشر، وهي بالإضافة إلى كونها ضحية، تتحمل الآثار السلبية الكارثية الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي تحول حياتهن في قطاع غزة جحيماً حقيقياً. فالمرأة إن لم تكن قتيلة أو جريحة، تتضاعف معاناتها في حالات التهجير القسري، خصوصاً أنها تصبح المسؤولة عن استمرار الحياة الأسرية ورعاية الأطفال ومحاولة التخفيف من الآثار النفسية التي تلحق بأطفالها جراء تعرضهم لتجارب صادمة، على رغم أنها بنفسها تقع تحت تأثير الصدمات.
والمرأة الفلسطينية، كما جاء في الورقة التي أعدها مركز «الميزان»، هي التي تخسر عندما يقتل زوجها فيقع على كاهلها عبء رعاية الأسرة بالكامل وتوفير مصدر دخل لها في ظل مجتمع تتفشى فيه ظواهر البطالة والفقر، وهي التي يقتل أطفالها أمام ناظريها من دون أن تتمكن من توفير الحماية لهم، وتفقد مسكنها وتفقد معه السكينة والخصوصية وتبدأ رحلة من الألم والمعاناة».
في تلخيصه للبحث حذر مركز «الميزان» من إبعاد المعاناة الاستثنائية للمرأة الغزية والانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها، خلافاً لقواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاتفاقات الخاصة بالنساء وقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة بالنساء والنزاع المسلح.
وشدد المركز على على ضرورة اتخاذ خطوات تضع حداً لعجز المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته الأخلاقية والقانونية تجاه حماية النساء الفلسطينيات من الانتهاكات الإسرائيلية وضمان احترام مبادئ القانون الدولي وتفعيل قرارات مجلس الأمن والاتفاقيات الخاصة المتعلقة بتعزيز حماية حقوق النساء.
ووضع معدو البحث مطالب دعوا خلالها جميع الهيئات الفلسطينية والدولية إلى التجاوب معها واتخاذ الخطوات الضرورية لإنقاذ المرأة الفلسطينية في غزة وأبرز المطالب تنفيذ المجتمع الدولي التزاماته القانونية والأخلاقية تجاه المدنيين في الأراضي الفلسطينية عموماً، وخصوصاً النساء والأطفال في قطاع غزة، وتفعيل الملاحقة والمساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي، لاسيما تلك التي تودي بحياة النساء والأطفال أو تلحق الإصابة والإعاقة بهم، كجزء من التزامات المجتمع الدولي، خصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة وملاحقها
كذلك طالب البحث هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالعمل على حماية النساء في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعمل على تعزيز حماية النساء في النزاعات المسلحة، واتخاذ التدابير الكفيلة بفضح الممارسات والجرائم الإسرائيلية التي ترتكب بحق النساء في قطاع غزة، داعياً وكيل الأمين العام المعني بشؤون المرأة الى العمل على تفعيل دور الأمانة العامة للتحرك ووقف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة بحق النساء وضمان احترام الاتفاقيات وقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة.