حدود الحراك الاوروبي - عادل عبد الرحمن
منذ فترة لا بأس بها يتململ الاتحاد الاوروبي للانخراط بثقل يتناسب وحجم الدعم المالي – الاقتصادي لعملية السلام العربية (الفلسطينية ) – الاسرائيلية. غير أن الادارة الاميركية كبحت الرغبة الاوروبية. وابقت البيانات السياسية المتقدمة نسبيا عن بيانات الرباعية الدولية والمواقف الاميركية، الصادرة عن اجتماعات القيادات الاوروبية بمستوياتها المختلفة مجرد حبر على ورق. لانها (اميركا) ترفض وجود شريك فاعل في التسوية، يتجاوز السقف السياسي الاسرائيلي.
غير ادارة اوباما، التي منحت دولة التطهير العرقي الاسرائيلية أكثر مما منحتة اية إدارة اميركية سابقة، ليست على وفاق تام مع حكومة اقصى اليمين الصهيوني، وبرز بين الادارتين الاميركية والاسرائيلية تفاوت وتباين في المواقف بشأن العملية السياسية، وايضا نتاج التدخل الفض لرئيس حكومة إسرائيل في الانتخابات الاميركية الاخيرة، التي فاز بها الرئيس الاسود لولاية ثانية، مما حدا باركان الادارة مع بروز النتائج بفوز ساكن البيت الابيض الهمس الخافت للاوروبيين لبلورة رؤية سياسية لتحريك المياة الراكدة في عملية السلام منذ تولى نتنياهو الحكم في 2009 وفق الخطوط العريضة لمرجعيات التسوية السياسية وخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
الاقطاب الاوروبية الرئيسية فرنسا ، بريطانيا مدعومة من المانيا وبالضرورة من ايطاليا واسبانيا تتحرك على نار هادئة لرسم معالم الخطة، بحيث ما ان تضع الانتخابات الاسرائيلية اوزارها في ال 23 من يناير الحالي، ويتبلور شكل الائتلاف الحاكم في الحكومة الاتية عمليا في آذار / مارس، حتى يبدا تحرك اوروبي مدعوم اميركيا وروسيا وامميا لنقل المسار الفلسطيني – الاسرائيلي من الركود الى الانتعاش على امل النهوض والتقدم نحو حل الدولتين على حدود 67.
الخطة الاوروبية ليست جديدة بالمعنى الدقيق للكلمة، لان الثابت بها خيار الدولتين على حدود 67 مع تبادل في الاراضي، استنادا الى ما حدده بوش الابن في حزيران / يونيو 2004، وكمقدمة لذلك تملي الضرورة على الحكومة الاسرائيلية إعلان الالتزام بوقف البناء الكامل في المستعمرات الاسرائيلية، وتقديم تسهيلات للدولة الفلسطينية على اكثر من مستوى وصعيد خاصة المالي، والعمل على اعادة النظر باتفاقية باريس... الخ
لكن الرؤية الاوروبية قد تصطدم باكثر من لغم إسرائيلي، الاول رفض وقف البناء في المستعمرات؛ وثانيا الاصرار على الاعتراف الفلسطيني ب "يهودية" الدولة الاسرائيلية؛ وثالثا رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194؛ ورابعا وضع فيتو على المصالحة الوطنية، وبالتالي رفض الممر الآمن بين جناحي الوطن؛ سادسا إمكانية إقدام الحكومة الجديدة على عمل عسكري ضد محافظات الجنوب الفلسطينية (غزة) بهدف خلط الاوراق، وقطع الطريق على العملية السياسية. الامر الذي سيهدد إمكانية إحداث اي إختراق في جدار الاستعصاء الاسرائيلي. لا سيما وان حدود الفعل الاوروبي محدودة. وما لم تكن الولايات المتحدة بالباع والذراع مع الخطة الاوروبية ، لايمكن لها النجاح.
القيادة الفلسطينية ليست بعيدة عن اجواء التحركات الاوروبية والاميركية والروسية والاممية. ليس هذا فحسب، بل ان الرئيس عباس منفتح على اية أفكار ايجابية يمكن لها ان تدفع العملية السياسية للامام، وتسقط الاستعصاء الاسرائيلي.
كما ان القيادة الفلسطينية بات بيديها جملة من اوراق القوة (الدعم الجماهير غير المسبوق في محافظات الجنوب، تحرك عربة المصالحة الوطنية، الانجاز السياسي برفع مكانة فلسطين لدولة مراقب، الصمود الوطني في مواجهة العدوان الاسرائيلي ، تصاعد وتيرة المقاومة الشعبية، وارتقاء اساليبها ... الخ) مكنتها من العودة للملعب كلاعب رئيسي، قادر على خلط الاوراق، رغم هدوء الاعصاب الشديد في إدارة الاستعصاء والجرائم الاسرائيلية ، والسياسات الاميركية المنحازة لدولة الاحتلال والعدوان. لم يعد بامكان القوى المبادرة للخطة الجديدة تجاهلها او تهميشها او الاستقواء عليها بالبطجة الاسرائيلية والتواطؤ العربي الرسمي.
الرفض الاسرائيلي للمبادرة الاوروبية، لن يكون في صالح دولة الارهاب المنظم الاسرائيليةن وسيحشرها في الزاوية، ويعمق عزلتها، مما سيساعد القوى الدولية وخاصة اوروبا للجوء لسياسة العقوبات الاقتصادية والسياسية لالزامها بخيار التسوية السياسية. خاصة وان دول الاتحاد الاوروبي تعهدت ان يكون العام 2013، عام التقدم نحو حل الدولتين على حدود 67.
من الصعب الافتراض بشكل السيناريو، الذي ستتخذه التطورات على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي، لان السياسات الاسرائيلية الهوجاء، قد تعصف بمصالح الغرب في المنطقة برمتها، كونها مازالت في مرحلة مخاض، ولم تستقر، رغم المليارات الاوروبية والقطرية لدعم الانظمة الوليدة والفاسدة في آن.
a.a.alrhman@gmail.com