"الإخــوان" ونـظـام مـبــارك : المصالحـة تجـوز مقابـل المـال- محمد هشام عبيه
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
بعد محاكمات استمرت ما يزيد على 18 شهراً، فجّرت نيابة الأموال العامة المصرية مفاجأة مدوّية، بإعلانها عن فتح باب المصالحة مع رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك على مصراعيه. المحامي العام الأول لنيابة الأموال العامة مصطفى حسين قال إن «التصالح وارد بشرط ألا يكون أي من هؤلاء متهماً في قضايا قتل المتظاهرين خلال الثورة». اللافت أن أول المستفيدين من ذلك القرار كان مبارك نفسه، فبعدما أصدرت النيابة قرارا بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيقات في قضية تتعلق بقبوله هدايا بالملايين من مؤسسة «الأهرام» الصحافية، قدّم محامي مبارك المخضرم فريد الديب طلبا للنيابة للتصالح في هذه القضية عن طريق سداد 17 مليون جنيه (2.8 مليون دولار) إلى خزانة المؤسسة الصحافية، وهي قيمة الهدايا التي تلقاها مبارك وأسرته، بمن فيهم ابناه علاء وجمال وزوجته سوزان من المؤسسة ذاتها. وقبلت النيابة طلب التصالح وتم الاتفاق على أن يورد مبارك المبلغ خلال يومين. وتبدو السرعة في اتخاذ قرار مثل هذا لافتة، خاصة أن مبارك لا يزال متهماً في قضية قتل المتظاهرين بانتظار أن تتم إعادة محاكمته مجددا في القضية ذاتها، استناداً إلى قرار من محكمة النقض في هذا الخصوص. وما بدأه مبارك، سبقه فيه بيوم واحد تصالح كل من رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف ورئيس مجلس الشورى الأسبق صفوت الشريف في قضية «هدايا الأهرام» أيضا، وذلك عبر تسديد ثلاثة ملايين جنيه قيمة هدايا حصلا عليها من المؤسسة الصحافية خلال الفترة الممتدة بين العامين 2006 و2011، ما يعني أن ذلك سيشكل سابقة يسير عليها كل رموز النظام السابق، ومن بينهم ثلاثة من الموجودين خارج مصر منذ قيام الثورة وحتى يومنا هذا، أولهم وزير الصناعة الأسبق ورجل الأعمال الشهير رشيد محمد رشيد، الموجود حالياً في الإمارات، والذي صدر بحقه حكم في أيلول من العام 2011 بالسجن 15 عاماً وغُرّم مليارا و414 مليون جنيه مصري (حوالي 350 مليون دولار)، وثانيهم وزير المال الأسبق يوسف بطرس غالي، الموجود حاليا في لندن، والصادر بحقه حكم بالسجن لمدة عشر سنوات وغرامة 30 مليون جنيه (5 ملايين دولار) في قضية تربح وفساد مالي. ويبقى الاسم الثالث في القائمة هو الأبرز، إذ يخص رجل الأعمال الشهير حسين سالم الصديق، المقرب من مبارك طوال سنوات حكمه، وصاحب الإمبراطورية السياحية في منتجع شرم الشيخ، والاستثمارات الضخمة في النفط، وعرّاب الاتفاقات الاقتصادية بين النظام السابق وإسرائيل. وهو موجود حاليا في إسبانيا، محتمياً بجنسيتها، وسط جدل قانوني بشأن إمكانية تسليمه إلى مصر بعد حكمين بالسجن مجموعهما 22 عاما صادرين ضده في قضيتين، إحداهما تخص تصدير الغاز لإسرائيل، والأخرى تتعلق بتبيض الأموال، بالإضافة إلى غرامتين ضخمتين يصل مجموعهما إلى ما يقرب من خمسة مليارات جنيه (800 مليون دولار). محامي حسين سالم قال إن موكله استبق إعلان النيابة عن استعدادها للتصالح، بستة أشهر كاملة،
عندما عرض على الأجهزة الرقابية التفاوض على 50 في المئة من أمواله، في مقابل هذا التصالح، قبل أن يشير إلى أنه عاد واستفسر عن إمكانية التصالح، وذلك في ضوء المعطيات الجديدة، وإعلان النيابة عن استعدادها للقيام بذلك مع كل رموز النظام السابق، خصوصاً أن حسين سالم ليس متهماً في أي قضايا تتعلق بقتل المتظاهرين. إلا أن النائب العام، وبعدما تواترت الأنباء عن نية سالم وغيره التصالح، أصدر أمس بياناً نفى فيه صحة الأنباء عن قيام عدد من مسؤولي النظام السابق الهاربين إلى خارج البلاد، بتقديم طلبات إلى النيابة العامة للتصالح تمهيدا لحفظ القضايا المقامة ضدهم. ورغم ذلك، فإن صلاحية ذلك النفي تبقى حتى تاريخ إصدار البيان أمس فقط، فيما يبقى الباب مفتوحا أمام كل رموز نظام مبارك الموجودين في الخارج أو غيرهم للتصالح في مقابل دفع الأموال التي تم اتهامهم بتقاضيها بغير وجه حق. وستسري القاعدة ذاتها على كل قيادات النظام السابق بمن فيهم أحمد عز وصفوت الشريف في قضايا أخرى وغيرهم، بل حتى ابنا الرئيس السابق علاء وجمال مبارك، علماً أنهما محبوسان على ذمة قضية التلاعب في البورصة والكسب غير المشروع، وأن كل هؤلاء تتم محاكمتهم في قضايا فساد مالي، باستثناء وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، الذي قررت محكمة النقض - أعلى درجات القضاء في مصر - إعادة محاكمته برفقة مبارك في قضية قتل المتظاهرين التي صدر فيها حكم بسجنهما 25 عاما قبل أشهر. ويبدو أن «الإخوان المسلمين» متوافقون تماما مع مبدأ التصالح المالي مع رموز النظام السابق، إذ قال المتحدث باسم الجماعة أحمد عارف إن «التصالح مع رموز النظام السابق في مقابل سداد المبالغ المالية المستحقة عليهم للدولة، يجب ألا يتدخل فيه أي شخص، ويجب أن يترك لرجال القضاء ليبتوا فيه، سواء بالرفض أو القبول، ما يحقق المصلحة لاستكمال أهداف ثورة 25 يناير»، لافتا الى ان «الإخوان» لا ترغب في «التدخل في الأمور القانونية». ولفت عارف، في تصريح نقلته شبكة «رصد» المحسوبة على «الإخوان»، إلى ضرورة أن يكون هذا التصالح خيراً للبلاد، مشيرا إلى أن الأمر الأهم هو «استرداد حقوق الشعب بأي طريقة يراها القضاء». يذكر أن «الإخوان» سبق أن رفضت منهج التصالح المالي مع رموز نظام مبارك، عندما طرحت الفكرة خلال حكم المجلس العسكري (شباط العام 2011 – حزيران العام 2012)، بل ان الرئيس محمد مرسي وصف التصالح مع رموز النظام السابق في مقابل استرجاع الأموال بـ«الجريمة الكبيرة في حق الوطن»، مضيفا في لقاء تلفزيوني في آذار من العام الماضي، ان «الحكومة لا تملك هذا التصالح، ومن يملكه هو الشعب فقط»، وان «طلب المتهمين التصالح مقابل الأموال إقرار بجرائمهم ويجب عقابهم عليها». وكان مرسي حينها رئيسا لـ«حزب الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لـ«الإخوان المسلمين». تجدر الإشارة إلى أنه يصعب لجوء نيابة الأموال العامة إلى التصالح من دون تنسيق مع مؤسسة الرئاسة في ذلك. وإذا كان البعض يرى أن التصالح المالي مع رموز مبارك، إشارة اقتصادية جيدة إلى طي صفحة الماضي والتطلع إلى البناء، وهو أمر قد يجلب استثمارات أجنبية واثقة من المناخ الداخلي، فإن هذا المنهج يظهر تناقضا واضحا في سياسة تعامل «الإخوان» مع القضية الواحدة قبل وصولهم إلى الحكم وبعده. ويبدو أن نظام «الإخوان»، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة ومتزايدة تعصف بالبلاد، وبعدما باتت خزائنه شبه خاوية، رأى أن الحصول على مليارات الجنيهات من قيادات النظام السابق قد تساعد على ضخ المال في شرايين الاقتصاد، وقد تشكل إلى جانب قرض صندوق النقد الدولي - الذي
يصل إلى 4.5 مليارات دولار ومن المنتظر الحصول عليه بعد مفاوضات جديدة قريبا - عناصر تحسن من صورة الأداء الاقتصادي للجماعة بعد وصولها إلى الحكم، من دون أن يهتموا بالتأثير السياسي السلبي المتوقع لذلك المنهج
shبعد محاكمات استمرت ما يزيد على 18 شهراً، فجّرت نيابة الأموال العامة المصرية مفاجأة مدوّية، بإعلانها عن فتح باب المصالحة مع رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك على مصراعيه. المحامي العام الأول لنيابة الأموال العامة مصطفى حسين قال إن «التصالح وارد بشرط ألا يكون أي من هؤلاء متهماً في قضايا قتل المتظاهرين خلال الثورة». اللافت أن أول المستفيدين من ذلك القرار كان مبارك نفسه، فبعدما أصدرت النيابة قرارا بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيقات في قضية تتعلق بقبوله هدايا بالملايين من مؤسسة «الأهرام» الصحافية، قدّم محامي مبارك المخضرم فريد الديب طلبا للنيابة للتصالح في هذه القضية عن طريق سداد 17 مليون جنيه (2.8 مليون دولار) إلى خزانة المؤسسة الصحافية، وهي قيمة الهدايا التي تلقاها مبارك وأسرته، بمن فيهم ابناه علاء وجمال وزوجته سوزان من المؤسسة ذاتها. وقبلت النيابة طلب التصالح وتم الاتفاق على أن يورد مبارك المبلغ خلال يومين. وتبدو السرعة في اتخاذ قرار مثل هذا لافتة، خاصة أن مبارك لا يزال متهماً في قضية قتل المتظاهرين بانتظار أن تتم إعادة محاكمته مجددا في القضية ذاتها، استناداً إلى قرار من محكمة النقض في هذا الخصوص. وما بدأه مبارك، سبقه فيه بيوم واحد تصالح كل من رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف ورئيس مجلس الشورى الأسبق صفوت الشريف في قضية «هدايا الأهرام» أيضا، وذلك عبر تسديد ثلاثة ملايين جنيه قيمة هدايا حصلا عليها من المؤسسة الصحافية خلال الفترة الممتدة بين العامين 2006 و2011، ما يعني أن ذلك سيشكل سابقة يسير عليها كل رموز النظام السابق، ومن بينهم ثلاثة من الموجودين خارج مصر منذ قيام الثورة وحتى يومنا هذا، أولهم وزير الصناعة الأسبق ورجل الأعمال الشهير رشيد محمد رشيد، الموجود حالياً في الإمارات، والذي صدر بحقه حكم في أيلول من العام 2011 بالسجن 15 عاماً وغُرّم مليارا و414 مليون جنيه مصري (حوالي 350 مليون دولار)، وثانيهم وزير المال الأسبق يوسف بطرس غالي، الموجود حاليا في لندن، والصادر بحقه حكم بالسجن لمدة عشر سنوات وغرامة 30 مليون جنيه (5 ملايين دولار) في قضية تربح وفساد مالي. ويبقى الاسم الثالث في القائمة هو الأبرز، إذ يخص رجل الأعمال الشهير حسين سالم الصديق، المقرب من مبارك طوال سنوات حكمه، وصاحب الإمبراطورية السياحية في منتجع شرم الشيخ، والاستثمارات الضخمة في النفط، وعرّاب الاتفاقات الاقتصادية بين النظام السابق وإسرائيل. وهو موجود حاليا في إسبانيا، محتمياً بجنسيتها، وسط جدل قانوني بشأن إمكانية تسليمه إلى مصر بعد حكمين بالسجن مجموعهما 22 عاما صادرين ضده في قضيتين، إحداهما تخص تصدير الغاز لإسرائيل، والأخرى تتعلق بتبيض الأموال، بالإضافة إلى غرامتين ضخمتين يصل مجموعهما إلى ما يقرب من خمسة مليارات جنيه (800 مليون دولار). محامي حسين سالم قال إن موكله استبق إعلان النيابة عن استعدادها للتصالح، بستة أشهر كاملة،
عندما عرض على الأجهزة الرقابية التفاوض على 50 في المئة من أمواله، في مقابل هذا التصالح، قبل أن يشير إلى أنه عاد واستفسر عن إمكانية التصالح، وذلك في ضوء المعطيات الجديدة، وإعلان النيابة عن استعدادها للقيام بذلك مع كل رموز النظام السابق، خصوصاً أن حسين سالم ليس متهماً في أي قضايا تتعلق بقتل المتظاهرين. إلا أن النائب العام، وبعدما تواترت الأنباء عن نية سالم وغيره التصالح، أصدر أمس بياناً نفى فيه صحة الأنباء عن قيام عدد من مسؤولي النظام السابق الهاربين إلى خارج البلاد، بتقديم طلبات إلى النيابة العامة للتصالح تمهيدا لحفظ القضايا المقامة ضدهم. ورغم ذلك، فإن صلاحية ذلك النفي تبقى حتى تاريخ إصدار البيان أمس فقط، فيما يبقى الباب مفتوحا أمام كل رموز نظام مبارك الموجودين في الخارج أو غيرهم للتصالح في مقابل دفع الأموال التي تم اتهامهم بتقاضيها بغير وجه حق. وستسري القاعدة ذاتها على كل قيادات النظام السابق بمن فيهم أحمد عز وصفوت الشريف في قضايا أخرى وغيرهم، بل حتى ابنا الرئيس السابق علاء وجمال مبارك، علماً أنهما محبوسان على ذمة قضية التلاعب في البورصة والكسب غير المشروع، وأن كل هؤلاء تتم محاكمتهم في قضايا فساد مالي، باستثناء وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، الذي قررت محكمة النقض - أعلى درجات القضاء في مصر - إعادة محاكمته برفقة مبارك في قضية قتل المتظاهرين التي صدر فيها حكم بسجنهما 25 عاما قبل أشهر. ويبدو أن «الإخوان المسلمين» متوافقون تماما مع مبدأ التصالح المالي مع رموز النظام السابق، إذ قال المتحدث باسم الجماعة أحمد عارف إن «التصالح مع رموز النظام السابق في مقابل سداد المبالغ المالية المستحقة عليهم للدولة، يجب ألا يتدخل فيه أي شخص، ويجب أن يترك لرجال القضاء ليبتوا فيه، سواء بالرفض أو القبول، ما يحقق المصلحة لاستكمال أهداف ثورة 25 يناير»، لافتا الى ان «الإخوان» لا ترغب في «التدخل في الأمور القانونية». ولفت عارف، في تصريح نقلته شبكة «رصد» المحسوبة على «الإخوان»، إلى ضرورة أن يكون هذا التصالح خيراً للبلاد، مشيرا إلى أن الأمر الأهم هو «استرداد حقوق الشعب بأي طريقة يراها القضاء». يذكر أن «الإخوان» سبق أن رفضت منهج التصالح المالي مع رموز نظام مبارك، عندما طرحت الفكرة خلال حكم المجلس العسكري (شباط العام 2011 – حزيران العام 2012)، بل ان الرئيس محمد مرسي وصف التصالح مع رموز النظام السابق في مقابل استرجاع الأموال بـ«الجريمة الكبيرة في حق الوطن»، مضيفا في لقاء تلفزيوني في آذار من العام الماضي، ان «الحكومة لا تملك هذا التصالح، ومن يملكه هو الشعب فقط»، وان «طلب المتهمين التصالح مقابل الأموال إقرار بجرائمهم ويجب عقابهم عليها». وكان مرسي حينها رئيسا لـ«حزب الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لـ«الإخوان المسلمين». تجدر الإشارة إلى أنه يصعب لجوء نيابة الأموال العامة إلى التصالح من دون تنسيق مع مؤسسة الرئاسة في ذلك. وإذا كان البعض يرى أن التصالح المالي مع رموز مبارك، إشارة اقتصادية جيدة إلى طي صفحة الماضي والتطلع إلى البناء، وهو أمر قد يجلب استثمارات أجنبية واثقة من المناخ الداخلي، فإن هذا المنهج يظهر تناقضا واضحا في سياسة تعامل «الإخوان» مع القضية الواحدة قبل وصولهم إلى الحكم وبعده. ويبدو أن نظام «الإخوان»، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة ومتزايدة تعصف بالبلاد، وبعدما باتت خزائنه شبه خاوية، رأى أن الحصول على مليارات الجنيهات من قيادات النظام السابق قد تساعد على ضخ المال في شرايين الاقتصاد، وقد تشكل إلى جانب قرض صندوق النقد الدولي - الذي
يصل إلى 4.5 مليارات دولار ومن المنتظر الحصول عليه بعد مفاوضات جديدة قريبا - عناصر تحسن من صورة الأداء الاقتصادي للجماعة بعد وصولها إلى الحكم، من دون أن يهتموا بالتأثير السياسي السلبي المتوقع لذلك المنهج