إقران الصفعة بالفعل!- عادل عبد الرحمن
لم ينم طويلا على الصفعة، التي وجهها له بنيامين نتنياهو عشية الانتخابات الاميركية الاخيرة، عندما استقبل ميت رومني، مرشح الحزب الجمهوري في مقر الحكومة، وقدم الدعم السياسي والمالي له دون مواربة؛ من محاسن الصدف للرئيس الاميركي، ان الرد جاء سريعا، وفي لحظة مماثلة لما واجهه (اوباما) حيث وجه لطمة قوية لرئيس حكومة اقصى اليمين الاسرائيلية، مع الفارق ان الرد كان بعيدا عن الاضواء، وفي جلساته الخاصة مع المقربين.
غير ان لساكن البيت الابيض مفاتيحه ومداخله للفضاء الاعلامي الاميركي والعالمي، لايصال رسائله لكل مستهدف، ومنهم نتنياهو، الذي قام الصحفي جيفري غولدبيرغ، كاتب العامود في صحيفة "بلومبيرغ فيو" المقرب من الرئيس اوباما، بلعب دور السلك الواصل للحرارة بين البيت الابيض والاعلام، فنشر مقالة حملها مواقف الرئيس الاسود، كاشفا فيها اتساع التباين بين الرجلين من خلال إطلاق أحكام قاسية ضد شخص رئيس تكتل "الليكود بيتنا"؛ حيث اعتبر انه "تأقلم مع سياسات هزيمة الذات ..." كما وصفه ب"الجبان من الناحية السياسية .. لانه غير راغب في استثمار رصيده السياسي لتعزيز عملية السلام.." ، واعتبره "اسير لدى لوبي المستوطنين .." واعاد على مسامع مقربية إن "إسرائيل لا تعرف أين تكمن أفضل مصالحها"، ومن خلال كل مستوطنة جديدة يجر نتنياهو إسرائيل في طريق العزلة شبه الكاملة.. الامر الذي سيجعل العالم يقرر " في لحظة ما ان إسرائيل تتصرف كدولة ابارتهيد.." والتشخيص الاوبامي الاكثر قسوة وتشاؤوما تجاه إسرائيل، يتلخص في القول الاتي :" ولو اصبحت إسرائيل، وهي دولة صغيرة في منطقة غير مضيافة لها، منبوذة أكثر- دولة تتنكر لمشاعر الولايات المتحدة، آخر اصدقائها الثابتين- فلن تظل على قيد الحياة، فإيران تشكل تهديدا قصير الامد عليها، أما سلوك إسرائيل فيشكل الخطر الاكبر على وجودها"!؟
رغم ان رسالة اوباما داخل اروقة البيت الابيض، وعلى انفراد مع مقربيه، غير ان شظاياها تطايرت فوصلت سريعا مسامع بيبي، مما اثار حفيظته، وحفيظة حزب الليكود ، الذي عبر في بيان مقتضب عن استياؤه مما نشره غولد بيرغ ، مراسل الشؤون الاميركية في مجلة "أتلانتك". ولكن يبدو ان حزب نتنياهو فايغلين وحليف ليبرمان وشامير الابن وعموم قطعان المستوطنين، تناسي عن سابق عمد وإصرار ، ان اوباما تصرف وفق المثل القائل "العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم!" . ولم يتجاوز الرئيس الاميركي حدود اللياقة في رد فعله مع الزعيم الاسرائيلي المتأقلم مع هزيمة الذات، والمتنكر للمصالح الحيوية الاميركية، ولادارة اوباما تحديدا، التي قدمت من الدعم أكثر مما قدمت اية إدارة اميركية سابقة.
فضلا عن ان، الزعامة الاسرائيلية المتطرفة، لم تقرأ جوهر الرسالة الاوبامية، التي حرص خلالها الرئيس الاسود، لفت نظر نتنياهو ومن لف لفه، الى المخاطر الناجمة عن سياساته الغبية والمعادية لمصالح إسرائيل ذاتها، والتي تحمل في طياتها الخطر الحقيقي على الوجود الاسرائيلي برمته في المنطقة غير القادرة على هضمها.
قرأ الليكوديون رسالة اوباما، قراءة شخصية ضيقة وتافهة، تنم عن تهافت ضيق الافق سياسي. وان وجد مثل هذا البعد، فإنه البعد الاقل اهمية في رسالة رئيس الولايات المتحدة. لان جوهر رسالة الحليف الاستراتيجي، يكمن في إضاءة الطريق امام النخب السياسية، والناخب الاسرائيلي للمخاطر الناجمة عن سياسات نتنياهو والائتلاف الحاكم او القادم بزعامة "الليكود بيتنا" على مستقبل دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية.
مع ذلك بقيت الصفعة الاوبامية الموجهة لنتنياهو محدودة التأثير بالمعنى الاني للكلمة، لان قيمة الصفعة،وان كانت ادارة اوباما معنية بوجود دولة التطهير العرقي، فعليها إقران الصفعة بالفعل السياسي والديبلوماسي واتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية ومالية وعسكرية لعل قيادة إسرائيل من اليمين واقصى اليمين الصهيوني تستيقض على حجم المخاطر المتولدة من سياساتها على الدولة الاسرائيلية، وفي نفس الوقت، دفعها للالتزام باستحقاقات خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. دون ذلك تبقى اللطمة الاميركية محدودة الاثر والتأثير في المدى المنظور. لكنها في كل الاحوال، تفتح الافق للاجتهاد، بان الافق مفتوح لاتساع الهوة بين سياسات الحليفتين الاستراتيجيتين :الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل، إن بقيت قوى اليمين الصهيوني تتجاهل مصالح إسرائيل والغرب عموما واميركا خصوصا في المنطقة.
a.a.alrhman@gmail.com