الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حواجز نابلس    لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتاريخهم    شهداء في قصف الاحتلال منازل مواطنين في مدينة غزة    3 شهداء و10 مصابين في قصف الاحتلال شقة غرب غزة    الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين    فتح منطقة الشهيد عز الدين القسام الأولى والثانية إقليم جنين تستنكر قتل خارجين على القانون مواطنة داخل المدينة    استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله  

نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله

الآن

مقال مكتوب بقشّة من المذود الفلسطيني- نسيم الخوري


عندما نقول أو نكتب كلمة فلسطين أتساءل: كيف يرتسم هذا المكان في أذهاننا أو تحت حبرنا؟ سؤال أطرحه وأنا أكتب مقالي ليلة عيد الميلاد حيث ينتظر العجائز بمسابحهم الطويلة ولادة المخلّص، وفي زوايا البيوت ينتظر الأطفال بابا نويل كي ينزل من فوهة الموقد حاملاً الهدايا المزركشة حتّى تنطفئ المدخنة ولا يصل .
 يصبحون نصف نيام، فينقلونهم أهلهم إلى أسرّتهم يحلمون به وقد دخل خلسةً بثيابه الحمراء يضع الهدايا الملفوفة تحت الشجرة ويمضي . تستهلك الليل احتفالات وابتهالات على الشاشات وصور مماثلة لا تنتهي لطفل يولد في مذودٍ تبعث فيه أنفاس البقر الدفء في بيت لحم، أي في فلسطين، وذلك قبل الكلام عن مرض جنون البقر بألفي سنة . هناك  يتآكل المكان ويقضم بالمعنى البشري والوطني والسياسي والكوني ويختفي المولود .
 وتتحوّل فلسطين التي كانت هي الموقد وكأنها تقترب من النشيد العام، ويتحوّل الفلسطينيون المشرّدون مجدداً في مخيّم اليرموك والمخيمات الأخرى إلى تمضية أعيادهم ونصب أشجارهم في الدمعة والجرح الذين لا مكان لهما أيضاً، ويتحوّل العجز اللبناني والعربي والعالمي المقيت إلى الفصاحة والانقسام حول استضافتهم أو إعادتهم ووضع العراقيل والشروط والقوانين الناظمة لتشريدهم .
هم يسبقون الحبر والفكر والعيد الذي خرج من مكانهم أساساً وانتشر ودخل بيوت المسيحيين في العالم الشرقي والغربي، وتجاوزها كلّها ليصبح عيداً له صفات المغالاة في الاجتماعية .
 المفارقة الغريبة أنّ الزوايا التي فيها تنتصب أشجار الصنوبر الطبيعية والصناعية وتعلّق فوقها الكرات الملوّنة، ويولد تحتها ابن مريم في حفنةٍ من القش اليابس، قد تبقى زوايا مقدّسة لفترة شهر أو أكثر بقليل ولربّما تبقى زوايا لها صفات محببة من ساكني البيت لزمنٍ طويل .
أنا أبحث هذه الليلة، في مناسبة طقوسية، عن تقديس المكان أعني فلسطين طبعاً، مع وعيي أن الأمكنة تختصّ بكلّ مجموعة في الأرض تختار مقدّساً له مناظره ومقاماته وطقوسه منذ التفكير بالصخرة المقدّسة التي استخدمها يعقوب وسادة، والتي يزعم اليهود أنّ الملك سليمان قد شيّد فوقها بعد دافيد الهيكل الأوّل، أي في المكان الذي حدّده له أبوه على جبل الموريّا، وحاول إبراهيم التضحية فيه بابنه إسحاق .
هذا المكان العالمي الذي قد يخبّئ حرباً عالمية ثالثة . وهذا كلّه يذكّرنا بكلام الله عندما قال لموسى:  لا تقترب من هنا . اخلع نعليك، لأنّ المكان أرض مقدّسة استقرّت في التاريخ اليهودي المعصور نواحًا أمام الجدار الذي يرتدي فيه اليهود وزعماء العالم الغربي القلنسوة، ويتأوهون دفاعاً عن المكان السياسي العالمي المقدّس ويعنون به دولة “إسرائيل” . هذا مكان غلبت فيه السياسة مضامين القداسة . وهناك فروقات طويلة بين النصوص والأمكنة أو الأشياء الثابتة على اعتبار أنّ القدّيس يمحو الأمكنة ولا مكان له سوى الأرض كلّها بينما المقدّس يسوّى ويرتّب ويظهر في الأمكنة كلّها التي يحددها البشر .
صحيح أن الطفل الناصري ولد في مذود فلسطيني، وأعلن أن مملكته أي مكانه ليس في هذا العالم، لكنّ الكنائس عمّت الأرض والأذهان والسلوك بالمعنى الاجتماعي والسياسي للصراعات السياسية وطموحات الشعوب والدول .
 وصرنا نجد الكاثوليك مسمّرين يحجّون نحو مغارة سانت لورد، والبروتستانت يخرجون من الأمكنة كلّها نحو المكان السياسي المحصور بمقبرة غيتسبرغ وبما يرضي اليهود ويطمح إلى العالم، تماماً كما نجد المحاربين القدامى يتطلّعون إلى أقواس النصر وقبور الجنود المجهولين والشعلات التي لا تنطفئ منذ الحربين العالميتين اللتين أورثتا 23 مليون قتيل في عبثية لم تعرف أسبابها ونتائجها حتّى الآن، في الوقت الذي يحنّ فيه السوفييت إلى قبر لينين بعدما تحوّلوا بعد نهاية الشيوعية إلى الكنائس الصغيرة ومجد القبب الأرثوذكسية، متقفين بذلك خطى الروس في دمج السياسة بالدين بحثا عن عظمة القياصرة . وصحيح أيضاً أنّ الكعبة أو الحجر الأسود المكعّب الملفوف بقماشٍ أسود مطرّز والذي نزل على مكّة من السماء يرتفع 15 متراً، وله الحق بالطوفان .
وإذ يطوف حوله الحجّاج المسلمون، فإنّهم يسعون بدورهم جاهدين في الأرض بالمعنى الديني والسياسي والقيمي، حاملين تسليم أمورهم لله مباركاً لصحواتهم، حيث يتقدّس المكان في الأرض كلّها عند فرش السجادة والتوجّه نحو القبلة والركوع فالصلاة .
يتحاشر المؤمنون الوارثون لكلمات الله التوحيدية الثلاثة حول الأرض كلّها بالمعنى الديني الملطّخ  بالسياسي، وهم يلمسون صخرةّ أو ضريحاً أو يمارسون طقوساً وأناشيد معينة أو يقبّلون صوراً وأيقونات، لكنه تحاشر يتّخذ مداه السياسي أكثر في التلاحم الاجتماعي لطرد الظلم والقهر والغلبة والعدالة بين كلمةٍ وأخرى .
عندما تتلاحم رئات المؤمنين ونظراتهم في أمكنة تجمّعهم للصلاة شفاهاً أو غناءً أو حجّاً أو اجتماعاً أو احتفالاً فإنّما يخرجون من فردانيتهم وسيّئاتهم الذاتية إلى قوّة المجموعة النقيّة، لكن يبقى الصمت الأبلغ أو العجز المكابر ممثّلاً الموسيقا الإنسانية للفقراء والمحتاجين والبؤساء والمعذّبين والمكسورين والمشرّدين في الأرض مثل الفلسطينيين وغيرهم في ديار العرب .
وقد تتعاظم الأمكنة المشتتة في مطّ أعناقها فتصبح ناطحات سحاب وتنافس أبراجاً، وقبباً مذهّبة، وقصوراً رئاسيّة أو قصوراً بلدية تمجّد السلطات التي تأتي من خارج وتتأسّس على شيءٍ آخر يعزّز السلطات، فيحضر الفرعون مجدّداً في خطاب مصر المعارضة للإخوان المسلمين، ويمكث الإمبراطور الصيني ابناً للسماء في القارة الزاحفة على الأرض، وكلّ هذا يعيدنا إلى الأسطورة الفارسية التي تقول إنّ الشجرة الأولى كانت تفيئ تنيناً عند جذعها، بينما كان عصفور السعادة يضع بيضة الحياة فوق غصنها الأعلى .
هذه البيضة المقدّسة المطلّة على الدنيا تشابه اليمامة التي تقف فوق قبب أوروبا وأمريكا والتي لا نصل إليها إلاّ بالمصاعد الهائلة السرعة، وهي بهذا لا تشابه إلاّ رمزيا النجمة التي يضعها المسيحيون فوق الغصن الأعلى من شجرة الميلاد في زوايا بيوتهم ووسط ساحات مدنهم .
وقد آلت تلك الحضارة في التعالي الإنساني والدولي إلى السقوط، حيث باتوا يشتمون هناك وهنا كلّ شيء، ويكتبون فوق صور طفل المذود ما شاءت غرائزهم من صور وأحمر شفاه، ويجدّفون حتى تضجر ألسنتهم ومخيلاتهم، ويحرقون الأعلام ويمخطون بها باسم الحريّة والديمقراطية التي لم تعرف قرع الأبواب في مكان الكلمات التوحيدية الثلاث .
لكن السؤال: من يجرؤ على المساس أو التفوّه بالمجازر النازية المستنسخة في فلسطين أضعاف ما كانت عليه في أوروبا؟ أضاع العالم نجمته التي تدخله إلى أعلاه، إذ عندما يدخل الإنسان في جلده  لا إلى الغابات الدولية الموحشة يجد الإنسان ما يبحث عنه حتى ولو كان في سجنٍ أو كهفٍ أو مذود .

 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025