زنار النار- غسان شربل
الخوف ليس زائراً جديداً في الشرق الأوسط. وفي الأعوام الماضية حبست دول المنطقة أنفاسها أكثر من مرة. فعلت ذلك حين عاد الخميني واقتلع نظام الشاه. وحين اجتاز جيش صدام حسين الحدود الدولية ليتوغل في إيران. وحين غزت إسرائيل لبنان في 1982 واحتلت للمرة الأولى عاصمة عربية. وحين غزا صدام حسين الكويت مدعياً إعادة الفرع إلى الأصل. وحين ارتكبت «القاعدة» غزوتي نيويورك وواشنطن. وحين تقدمت دبابة أميركية واقتلعت تمثال السيد الرئيس ونظام البعث العراقي. وحين اغتيل رفيق الحريري. وحين تأرجحت جثة صدام. وحين فر زين العابدين بن علي. وتدحرج نظام حسني مبارك. وظهر معمر القذافي مبقعاً بالدم. وحين انحنى علي عبد الله صالح للعاصفة بعدما عاندها طويلاً. وحين انزلق النظام السوري في خيار الانتصار إلى حدود النحر والانتحار.
لا مبالغة في القول إن المنطقة تعيش حالياً حالة من الخوف والذعر تفوق كل ما عرفته سابقاً. العواصف التي تجمعت انجبت صورة غير مسبوقة. حكومات مرتبكة تدرك أن لا مفر من إحداث تغيير وتقديم تنازلات. لكنها تخشى أن تفتح التنازلات شهية المطالبين. أنظمة مرتبكة تصدعت أحياناً قواعد شرعيتها. وحدود دولية فقدت حصانتها أمام المقاتلين الجوالين. وخرائط خائفة من أزمات الهوية وجاذبية الطلاق والخرائط الصغيرة.
تشعر دول المنطقة أنها مطوقة بزنار من النار. مطوقة عند حدودها ومطوقة في عواصمها. تتشكل حلقات زنار النار من مجموعة وقائع وبرامج تبدو أكثر من قدرة الحكومات على الاحتمال وهي:
- فشل اقتصادي مريع وأرقام مفزعة للبطالة والأمية وغضب شعبي بسبب ارتفاع معدلات الهدر والفساد وغياب المحاسبة إضافة إلى غياب قنوات المشاركة في صناعة المستقبل. يتوازى ذلك مع فشل صارخ في التعليم وتخلف واضح في برامجه ومناهجه ما انتج أجيالاً من العاطلين من العمل وأجيالاً لا ترى مستقبلاً إلا في الهجرة أو الانضواء تحت عباءة الفكر المتطرف وطروحاته المدمرة.
- ارتباك في عملية الانتماء إلى المشهد الدولي الحالي وعجز عن التكيف مع عالم الثورات المتلاحقة وتدفق المعلومات ومعاييره في التعامل مع حقوق الإنسان والأقليات ودور المرأة.
- الأفق المسدود لمفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية وتآكل المعسكر الإسرائيلي المؤيد للمفاوضات والمعارض للاستيطان.
-"الربيع العربي" وما أطلقه من آمال ومخاوف خصوصاً بعد الحلقة السورية وظهور الإسلاميين في صورة القوة الوحيدة القادرة على وراثة الأنظمة المتهالكة وعبر صناديق الاقتراع وهي قوى لم تمتحن سابقاً في صدقية شعاراتها والتزامها مبادئ الديموقراطية والمواطنة وتداول السلطة.
- حضور «القاعدة» في أكثر من بلد ومسارعة عناصرها أو من يحملون فكرها إلى التسرب إلى دول تصدعت وحدتها الوطنية وانحسرت سيطرة نظامها على أراضيها. وتعتبر سورية نموذجاً مقلقاً من دون أن ننسى اليمن.
- البرنامج النووي الإيراني وما يثيره من توترات وكذلك قيام إيران بحجز مواقع لها في العراق وسورية ولبنان وصولاً إلى اليمن وإريتريا فضلاً عن محاولات حضور داخل حدود الدول الخليجية.
- النزاع السني - الشيعي الذي لم يعد مفيداً إنكار وجوده بعد الاصطفاف الحاد حول الوضع في سورية.
إذا نظر العربي إلى الخريطة يشعر أن بلده مطوق بزنار من النار وإن تفاوت حضور حلقاته تبعاً للمناطق ومناعة الأنظمة وتركيبتها السكانية. مطوق عند الحدود بحلقات ومطوق داخل الحدود بحلقات أخرى. هذا يصدق على سورية ولبنان والأردن والعراق واليمن ودول مجلس التعاون الخليجي والجزائر والمغرب وغيرها. والأكيد أن معالجة زنار النار لا يمكن أن تتم بالإنكار. أول المعالجة الاعتراف بالتحديات والأخطار والمطالب وترميم العلاقات بين المكونات وفتح الباب لتغيير يحمي الاستقرار. إننا لا نزال في بدايات موسم الآمال والأخطار والوحل والدم.